ولا خير فيمن لا يحب بلاده - للشيخ محمد كليب

ولا خيرَ فيمن لايُحبُّ بلاده

بقلم. محمد بن مطهر كليب


       حب الأوطان فطرة مغروسة في القلوب والأبدان، وأمرٌ جبليٌّ عند كلّ إنسان، فالإنسان بطبعه يحن إلى بلده؛ كونه ولد فيه أو ترعرع بين ربوعه، وفيه أهله وأصدقاؤه، وينعم بخيراته ونعمه التي جعلها الله فيه.

     نعم.. إن دين الإسلام يدعو للحفاظ على البلدان والسعي في إصلاحها وعمارتها ونشر الخير بين أبنائها، ووجوب الدفاع عنها وحراستها من كل مكروه يضر بها ومن فيها من أهل الإسلام، فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم يُخرَج من بلاده مكة مظلوماً فيتحسر ويصاب بالحزن على فراقها، وكان يطل على مداخلها ومخارجها عام الفتح ويخاطبها قائلاً: "والله إنك لأحب أرض الله إليه، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما سكنتُ غيرك!"، فاضطره الحال أن يسكن المدينة وأن يقيم فيها دولة الإسلام فيعيش مع أصحابه وأهله وأحبابه حتى شاء الله وأن أصبحتا –مكة والمدينة- بلداً واحدا تحت راية الإسلام وحكمه، فكان صلى الله عليه وسلم يحبهما حباً شديداً، ويدعو الله أن يزيد ذلك الحب في قلبه له ولأصحابه، فيقول: "اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد" وكان يدعو الله بأن يبارك في رزقها وأن يبارك في أمنها وأن يخلصها من الأسقام والأمراض، وأن يجعلها بلداً آمناً، وهذا هو منهج الأنبياء في حب أوطانهم وأقوامهم وإرادة الخير لهم، فنبي الله إبراهيم كان يدعو ويقول: "رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات" ..

        إن حب المسلم لبلده، ليس مجرد أمر يقال، أو تصورات وشعارات تُدَّعى، بل إن ذلك لابد أن يقوم على مقومات ومبادئ يُعرف من خلالها مدى حبك لبلدك المسلم، فمن تلك المقومات:

  1. التمسك بدين الإسلام وتعاليمه ونشر قيمه ومبادئه؛ فكل من أحب بلده المسلم عليه أن يكون متمسكاً بدينه حريصاً عليه، محافظاً على توحيد ربه وعبادته، لا يقع في الشرك ولا في المنكرات التي تسيء له وتسيء لبلده، وتكون سبباً في اختلال أمنه وفساد عيشه، ولذلك كان الأمن معلقاً دائما بتوحيد الله تعالى والإيمان به وإقامة دينه، قال تعالى: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون".

  2. من يحب بلده عليه أن يدين الله تعالى بالسمع والطاعة لولي أمره، فطاعة ولي أمر البلد وحاكمه واجبة وجوباً شرعياً، وهي علامة من علامات حبك لبلدك وإرادة الخير له كما قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، وقول نبيه صلى الله عليه وسلم: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره"، ومن يشق عصا الطاعة، ويخون ولي الأمر ويخرج عليه، ويسعى في خراب البلد وإفساد أمنه واستقراره وإقامة الثورات والمظاهرات فليس مُحبَّاً لبلده وإن ادعى ذلك ليلاً ونهارا.

  3. من يحب بلده عليه أن يسعى في حمايته والدفاع عنه وتطويره والرُّقي به على كافة الأصعدة في أمور الدين والدنيا، وعليه أن يسعى في إصلاحه ونشر الخير فيه.

  4. من يحب بلده عليه أن يدعو الله أن يبارك في امنه ورخائه، ويحفظ قادته، ويزيد في رزقه كما كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله.

  5. من يحب بلده لا يتعامل مع أعدائه والمتربصين به الذين لا يريدون به ولا ببلده خيراً، بل الواجب عليه أن يكون صادقاً وواضحاً، ومريداً للخير ومحارباً للفساد والمفسدين.

           ومعلوم أن المنافقين الذين كانوا في المدينة المنورة شهد الله لهم أنهم أهل غدر وكذب وخيانة؛ فقد كانوا يتعاملون مع اليهود وكفار قريش ضد المدينة ومن فيها، ففضحهم الله وأنزل عليهم سورة كاملة تُخبر بما يكنون من عداء للمسلمين وبلدهم.

6. من يحب بلده عليه أن يجد ويجتهد في طلب العلم، فبالعلم ترقى الأوطان، وبالعلم تصح العقول والأبدان، وبالعلم يعم الخير سائر البلدان، فعليك أن تسعى في طلب العلم بنوعيه: علم الدنيا وعلم الدين؛ لتكسب بذلك السعادة ورغد العيش في الدنيا والآخرة.

       فبهذه المقومات تعرف المحب لوطنه المسلم من المخادع الماكر الذي لا يريد لبلده ولا لمجتمعه خيراً، فاللهم احفظ بلادنا البحرين، واحرسها من شر الأشرار وكيد المكرين والفجار، واجعلها بلداً آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، ووفق قادتها لكل خير يا سميع الدعاء.

كتبه الأستاذ. محمد مطهر كليب

      1/ 8 / 2017م