ماذا يريدون من الإلحاد؟ - للشيخ د. صلاح الخلاقي

بسم الله الرحمن الرحيم


ماذا يريدون من الإلحاد؟


إن ما تتعرض له بلدنا –البحرين- بل والمنطقة عموماً من تحديات وعقبات، ومكائد ومشكلات، ومخططات تسعى لزرع الأزمات، وخلق النكبات، وإشاعة الفوضى والرذيلة، ومنع الأمن والفضيلة، كل ذلك يحصل بجملة من الحملات التي يشنها أعداء الداخل والخارج، ممن ينتسب للإسلام وللوطن ومن غيرهم، فالمتربصون كُثر، تنوعت بهم طرق الفساد والإفساد، وجمعهم الهدف والغاية؛ إنه القضاء على الإسلام والمسلمين، واستحلال أوطانهم، ولا يشك في ذلك عاقل تدبَّر الأحداث التي تمر بها المنطقة.
وفي خضم ذلك كله تجد من يسعى لجلب تيارات أخرى تزيد الطين بله، وتكسب الوضع علة ونقمة، ومن أواخر ذلك أولئك الذين يسعون لحضور الدكتورة جمانة حداد..
ولك أن تسأل عن هذه الدكتورة؟ إنها إحدى المتبجحات بالإلحاد، والداعية للكفر والفساد، كما صرحت بذلك في مقالة قبيحة وسمتها:
(لماذا أنا ملحدة؟!) وقد اقشعر جسدي مما كتبَت؛ ودار في خلدي بعض النظرات نظمتها فيما يلي من تنبيهات:
التنبيه الأول: لك أخي القارئ أن تتأمل شدة الوقاحة التي يتبجح بها ملاحدة هذا العصر، بينما كانوا في القدم يستحون من التصريح بخزعبلاتهم، وكانوا لا يتجاوزون الشرذمة القليلون، الذين يعرفهم عامة الناس بلحن أقوالهم، وبانهماكهم في الفجور والمجون، والأعجب من ذلك أنها من بلد محسوب على الإسلام، ولكن لا غرابة فإنها لم تجد في ديانتها (النصرانية) ما يشبع غريزة التدين عندها.
التنبيه الثاني: شرعت مقالتها بكلام للملحد إسماعيل أدهم من مقال له بعنوان: (لماذا أنا ملحد؟) (تشابهت قلوبهم)؛ فإسماعيل بن أدهم ظلَّ منافحاً عن الإلحاد حتى هلك منتحراً في 23/7/1940م؛ وقد وجدت جثته طافية في مياه البحر المتوسط، وقد أوصى بحرق جثته، وهذه هي نتيجة الصراعات الداخلية التي يكابدونها، بين أفكارهم الإلحادية وبين أساس فطرتهم وخلقتهم، وقد صرحت الدكتورة جمانة بمعاناتها وأن إلحادها نتيجة حفر عميق في نفسها بل أعماقها؛ سعياً للمصالحة مع الذات بكل مكوناتها، فقد أدركت أن طبيعة الخلقة لا يمكن تقبل بهذا الهذيان، وعليه فلابد من عقد صلح مع الذات، يُهدئ المعارك الداخلية.
    ونقول لها ولمن سوَّلت له نفسه بسلوك دربها: إن عقود الصلح في المعارك له نهاية، ولكن ماذا بعد انتهاء فترة المصالحة؟ إنه اللحوق بركب إسماعيل أدهم في مستنقع الانتحار، وذلك الخزي والمهانة في الدنيا قبل الآخرة.

التنبيه الثالث: أن ما يقوم به الملاحدة إنما هو محاولة لحفر وتحريف ما استقرت عليه خلقته، بل وجميع الفطر والعقول؛ فإن خالق الخليقة أودع في خلقتهم معارف وعلوم لا يمكنهم جهلها، ولا يسعهم جحدها، ومن ذلك معرفتهم بجوعهم وحاجتهم للطعام والشراب، فإنه علم مغروس في الخلقة لا يحتاج إلى تعليم، فسبحان من خلق فسوى وقدر فهدى، وأعظم من تلك المعرفة معرفة أعرف المعارف وهو الله جل جلاله؛ فإن دلائل معرفته لا تحصى، وعلامات وجوده لا يمكن أن تستقصى، (وكيف يُطلب الدليل على ما هو دليلٌ على كل شيء، فأي دليل طلبته عليه فوجوده أظهر منه).
التنبيه الرابع: إن اللوثة الإلحادية لا تقوم على أساس مقنع؛ وغاية ما يعتمدون عليه: عدم اقتناعهم بأدلة وجود الباري تبارك وتعالى، وهذا ما صرحت به الملحدة جمانة، وحال كل من سبقها من الملاحدة، وهذا إلحاد سلبي ولذلك يقول الفرنسي موريس بلوندل: (ليس هناك ملحدون بمعنى الكلمة)، وهذا الإلحاد من أبعد ما يكون عن العلم والعقل؛ لأن مبناه على السفسطة والمكابرة، ومحاولة التهرب من الدلائل والبراهين الجلية، ومكابرة المشاعر الداخلية، والحقائق اليقينية، بل ومحاولة الجنوح إلى التموية وإنكار العلوم الضرورية، والمحسوسات البدهية، ولو قيل لأحد هؤلاء الملاحدة كل ما أثبته من دلائل على إثبات أبويك، وأنك من نسلهما دعاوى لا تستند إلى برهانٍ عقلي بحت لم يقبل ولنازع في ذلك!! وليس عنده ما يُثبت سوى شهادة ميلاده، وشيوع بنوته بين الناس!!
وقد يلجأ بعضهم إلى اللجاج؛ فيقول: قد دلَّ العلم التجريبي المستند على الحس أني خُلقت من نطفة والدي.
فيقال له: كذبت؛ فأنت لم تر تلك النطفة، بل ولا راها والدك المزعوم، ولا تفطنت أمك بأي حيوان منوي لُقحت. فإن استجازت نفسك جحد خالقك، فجحدك لنسبك أولى.
    وبذلك يوقن كل عاقل السراب الذي يكتنف الملاحدة؛ وشذوذهم في إنكار مَن شهدت بوحدانيته جميع المخلوقات، وخضعت له الأرض والسماوات، وافتقرت أمام عزته جميع الكائنات. وفي كل شيء له آية ** تدل على أنه الواحد

التنبيه الخامس: إن النزعة الإلحادية داء عضال، ومرض قتَّال، وفكر ضال، وشذوذ عن الفطرة السوية، والخِلقة المرضية، والعلوم اليقينية، ولك أن تتأمل في خطر الشذوذ الجنسي على الفرد والمجتمع، تجد أن أصحابه انقلبت فطرتهم فصاروا كمَن اتخذ من العذرة أكلاً شهياً يتلذذ بمضغه وهضمه، ومن عرف ذلك أيقن أن شذوذ الفكر الإلحادي عن طبيعة الخلقة البشرية أعظم وأخطر وأقبح من كل شذوذ.
التنبيه السادس: أن الملحد كما أنه يعاني كربة الصراعات الداخلية، فهو يكابد الغربة والانفصام؛ فما من شيء ينفس عن كربته، ويزيد فترة مصالحته لنفسه، من ولوج أناس جدد في فكره وإلحاده؛ فيتمنى أن يصير الناس كلهم مثله، فتخف عنه بذلك اللوم والمحنة، ورضي الله عن ذي النورين عثمان بن عفان حيث قال: (ودَّت الزانية أن النساء كلهن زوانٍ).
    وختاماً لهذه التنبيهات التي تؤكد خطر التيارات الإلحادية، وتوضح إهلاكها للحرث والنسل، وإفسادها للبلدان والأبدان والأديان، أتقدم –وكلي ثقة- إلى حكومتنا الرشيدة ممثلة بجلالة الملك سدده الله وسمو رئيس الوزراء الموقر وولي عهده الأمين، بمنع استقدام داعية الإلحاد الدكتورة جمانة حداد؛ فإن في ذلك محاربة لله تعالى الذي أنعم عليْنا -بحكومتكم الموقرة- الأمن بعد الخوف، والراحة بعد الهلع، والفرج بعد الشدة، وكل ذلك محض منة من الله تعالى وفضل ولطف بالبلاد والعباد أن رد عنا كيد الحساد، ومكر دعاة الضلال والفساد.
وقد أوجب الله شكر نعمه ووعد الزيادة للشَّاكرين، فقال تعالى:
﴿وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ﴾[إبراهيم:7].
فنسأل الله الكريم أن يوفِّق ولاة أمورنا لما فيه صلاح البلاد والعباد، وقمع أهل الزيغ والفساد والإلحاد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 


وكتبه د. صلاح محمد موسى الخلاقي
 28/5/1436 هــ    19/3/2015 م

تحميل الملف المرفق: