غذاء القلوب - للشيخ أسامة الواعظ

بسم الله الرحمن الرحيم

" غذاء القلوب "

 

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:- 

فإن سوء التغذية يعده الأطباء من أعظم الأسباب الجالبة للعلل والأسقام.. فـ( المعدة بيت الداء ) كما قيل في الحكمة.. وقد عده الأطباء القدامى أحد الأسباب الثلاثة الرئيسية للأمراض، كما قال ناظمهم:

ثلاث هُـنَّ مُهلِكـة الأنـامِ      وداعية الصحيح إلى السقامِ
دَوام مــــــدامة ودوام وَطئ      وإدخالُ الطعامِ على أطعامِ

ولكن سوء التغذية ليس مقصوراً على طعام المعدة.. بل هناك تغذية أهم وأطم من تغذية المعدة.. غفل عنها كثير من الناس فهلكوا.. وحرص عليها من وفقه الله تعالى منهم فسلموا.. ألا وهي تغذية القلوب..

فالقلب ينمو على ما غذيته عليه.. فإن غذيته تغذية سليمة صحيحة نشأ قويا متماسكا لا تزعزعه شطحات النفس، ولا تغويه وساوس الشياطين من الجن والإنس..

وأما إن أسأت في تغذيته.. فترعرع على أكل الميتة وأجيف وإدمان المسكرات.. فستسرع إليه الأسقام والعلل.. فينشأ عليلا كليلا.. ولن يلبث أن يغدو قتيلا.. أو يبقى - على أقل تقدير - ضعيفا ضئيلا.. ضعيفا أمام المعاصي والشهوات منقادا للنفس الأمارة بالسوء متذللا لها.. ضئيلا أمام الحق قاصرا عن الصدع به.. وكيف يصدع به ويقبله ؟!.. وهو يجد في جوفه خرقا كبيرا.. وظلمة قاتمة.. لا يدري إلى أي الفريقين ينتمي.. هذا إن عرف الحق أصلا.. فإن أكثر من هذا حاله تنتكس فطرته.. فيغدوا حقه باطلا وباطله حقا..

فهذا القلب قد اعتاد على أكل الجيف مما يشاهده من المناظر القبيحة والمشاهد المشينة.. وتشرب أنواع المشارب من الكتب والروايات والمقاطع والأفلام والمجلات الرديئة.. المليئة بالمحرمات.. من الشهوات والشبهات.. حتى فاض بها قلبه.. فجرفت ما كان مستقرا فيه من كلام الله تعالى وحديث نبيه صلى الله عليه وسلم وكلمات الناصحين ومواعظ الواعظين.. ثم إنه مع ذلك.. قد اعتاد تنفس الدخان.. دخان اللهو واللعب والاهتمام بسفاسف الأمور.. فأنى لقلب هذا حاله أن يصلح ويقوى ؟؟

                   ألقاه في البحر مكتوفا وقال له    إياك إياك أن تبتل بالماء

إذا عرفت هذا.. وقرنته بقوله تعالى: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون) وقوله عليه الصلاة والسلام: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله.. ألا وهي القلب).. عرفت منشأ ضلال الخلق.. وأصل فساد المفسدين وانحراف المنحرفين.. وكيف أن الإنسان قد يكون واعياً يرى غغير حاله وانحراف سبيله.. ولكنه لا يجد لعقله سلطانا على نفسه.. فلا يملك لنفسه إلا أن ينقاد لها انقياد الذلول ويرضخ لشهواتها رضوخ الفقير.. وما ذلك إلا بسبب ما قضاه في سني عمره مداوما على إفساد قلبه وإضعافه في مواجهة نفسه.. حتى صارت النفس الأمارة بالسوء هي الآمرة الناهية.. والعقل الحكيم الكبير ضعيفاً مستكيناً لا سمع له ولا طاعة..

فاجتهد أيها العبد المسكين أن لا تكون هذه حالك.. واعلم أن نفسك إن لم تشغلها بالحق أشغلتك بالباطل.. واعلم أن من وصل إلى هذه المرحلة فالخروج منها صعب والخارجون منها قلة.. وليس ذلك إلا لمن وفقه الله تعالى.. فاسأل الله تعالى التوفيق.. (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا • ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا)

وصلى الله وسلم على خير خٔقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. والحمد لله رب العالمين..

 

 

كتبه/

أسامة مصطفى الواعظ