سب الصحابة سِمَة المنافقين - للشيخ محمد الشرفي

بسم الله الرحمن الرحيم

سَبُّ الصحابةِ سِمَةُ المنافقين

صحيفة أخبار الخليج - العدد : ١٣٣١٠ - الاثنين ١ سبتمبر ٢٠١٤ م، الموافق ٦ ذو القعدة ١٤٣٥ هـ

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛

أما بعد:

فإن الله -جل وعلا- قد خص نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن اصطفى له صُحبةً هم خير أمة أخرجت للناس، وهم خير الناس وأفضلهم وخيارهم بعد الأنبياء، نصر الله بهم هذا الدين؛ حيث إنهم دافعوا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته وفي أشد المواقف وأصعبها، بذلوا أنفسهم ودماءهم وأموالهم وأبناءهم وكل ما يملكون في نصرة هذا الدين.

رضي الله عنهم، ورضي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنهم، بل مات النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو راضٍ عنهم .
ويكفي في ذكر فضلهم قوله تعالى: " وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" [التوبة: ١٠٠].
وقوله تعالى: "لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى" [الحديد: ١٠].
ففي هاتين الآيتين دليلٌ قاطع على أن صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد رضي الله عنهم، وبشرهم بالجنة.
وليس هذا مقام ذكر فضائلهم وتعدادها؛ فإن فضائلهم لا تجمع في مقالٍ ولا كتاب ولا كلمة ولا محاضرة، بل محل ذلك مطولات الكتب.
ولما كان هؤلاء النخبة الأخيار من المهاجرين والأنصار، أشداء على المنافقين والكفار، حاول المنافقون ومن على نهجهم سار، الطعن فيهم بالتنقص والاحتقار، وتبعهم في هذه القرون جمع من الرافضة والفجار، فجاروا مع من جار،  فوالله إنهم لعلى شفا جرف هار.
وإليك حادثتان حصلتا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ففيهما العبر لمن أراد الاعتبار:

الحادثة الأولى:       

قال تعالى: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ" [البقرة: ١٣].
فتأمل -رعاك الله- كيف كان المنافقون يصفون صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأقبح الأوصاف ويرمونهم بالسفاهة، فتولى الله سبحانه وتعالى الذب عنهم وذلك بقوله سبحانه : "أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ". فكل من انتقص صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوصف دنيء فهو أحق به.
قال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم: (هذا قول المنافقين يريدون أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-) ([1])، وروي مثله عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهم  ([2]).

الحادثة الثانية:

أخرج الإمام أبو جعفر الطبري في تفسيره عن زيد بن أسلم: أن رجلا من المنافقين قال لعوف بن مالك في غزوة تبوك: ما لقُرَّائنا هؤلاء أرغبُنا بطونًا وأكذبُنا ألسنةً، وأجبننا عند اللقاء! فقال له عوف: كذبت، ولكنك منافق! لأخبرن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-! فذهب عوف إلى رسول الله ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه.
قال زيد: قال عبد الله بن عمر: فنظرت إليه متعلقًا بحَقَب ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تنكبُهُ الحجارة، يقول: (إنما كنا نخوض ونلعب) ! فيقول له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون" ؟ ما يزيده ([3]).
فتأمل أخي كيف كان منهج المنافقين في تنقص أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ القدم؛ إذا عرفت ذلك عرفت حقيقةً من هو سلف الرافضة -قبحهم الله- في سب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وقد عد أهل العلم سب الصحابة من كبائر الذنوب، كما فعل الإمام الذهبي -رحمه الله- في كتابه "الكبائر"؛ حيث قال: (فمن طعن فيهم أو سبهم فقد خرج من الدين ومرق من ملة المسلمين؛ لأن الطعن لا يكون إلا عن اعتقاد مساويهم وإضمار الحقد فيهم وإنكار ما ذكره الله تعالى في كتابه من ثنائه عليهم وما لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ثنائه عليهم وفضائلهم ومناقبهم وحبهم ... وهذا ظاهر لمن تدبره وسلم من النفاق ومن الزندقة والإلحاد في عقيدته) ([4]).
وقد شدد السلف الصالح على من سب صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبعضهم قال بقتله وبعضهم قال بتعزيره، وما ذاك إلا لسوء ما أقدم عليه من سب وطعن.
قال الحافظ ابن حجر: (واختلف في ساب الصحابي، فقال عياض: ذهب الجمهور إلى أنه يعزر، وعن بعض المالكية : يقتل) ([5]).

تنبيه:
إقامة الحدود والتعزيرات من خصائص ولاة الأمر، وليس أمراً موكولاً لآحاد الناس، فلا يصلح أن يقوم آحاد الناس بقتل أو جلد من سب الصحابة، قال الإمام أحمد -رحمه الله-: (وقسمة الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمة ماض ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم) ([6]).

نسأل الله أن يوفق ولي أمرنا لردع أمثال هؤلاء الرافضة وإذلالهم إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين.


كتبه: أبو يوسف محمد بن عبد الله الشرفي

الأربعاء:1/ 11/ 1435هـ

الموافق: 27/ 8/ 2014م


[1] تفسير الطبري (1/304)

[2] المصدر نفسه.

[3] تفسير الطبري (11/ 543)

[4] الكبائر: (ص 237). وسب الصحابة ورد فيه لعن من النبي -صلى الله عليه وسلم-، جاء في الحديث المرفوع: (من سب أصحابي فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا) رواه أحمد في فضائل الصحابة برقم: (8) وابن أبي عاصم في السنة: (2/685)، وحسنه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة برقم: (2340).

[5] فتح الباري: (7/46).

[6] أصول السنة للإمام أحمد: (ص66).

 

*رابط للمقال في موقع جريدة أخبار الخليج البحرينية:

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13310/article/40681.html