رمضانُ والقرآن - للشيخ محمد كليب

رمضــــــــــــــانُ والقُرآن

 

 الحمدُ للهِ ربّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيّهِ الأمين، محمدٍ وعلى آلهِ وصحبه أجمعين، أما بعد:-

   فإنَّ اللهَ -عز وجلَّ- أنزلَ القرآنَ في شهرِ رمضان، قال تعالى: }شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}([1])، وكان جبريلُ يُدارِسُ ([2]) النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآنَ في رمضان، وكان السلفُ -رحمهم الله تعالى- إذا دخلَ رمضان عَكَفُوا على القرآنِ حفظاً وقراءةً وتدبراً وتأملاً وعملاً، ويختمونهُ المرةَ والمرتين والثلاثَ والعشرَ والعشرين والثلاثين، بل أُثِر عن بعضِهم الستين خَتمة! ولا عجبَ في ذلك؛ فقد كانت هممُهم عالية، وآثروا الآخرةَ على الفانِية، فذاقُوا طعمَ القُرانِ وحلاوتَه، وعرفوا فضلَه ومكانتَه، قامُوا به الليالي الطّوال، وكانُوا في التمسك به ثابتين أمثال الجبال، وعلموهُ أبناءهم وأهليهم والمسلمين فصلُح بذلك الحال، وكانَ شهرُ رمضانَ -بخاصة- بين أَظهُرهم مدرسةً قرآنية، تسمعُ فيه آياتِ القرآنِ تُرددُ هناك وهناك؛ وما كلُّ ذلك إلا لعظمِ فضلِ القرآنِ وعظمِ أجرِ حامليه، والبركةِ التي جعلها الله فيه، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}([3])، فأهلُه وحملتُه هم أهلُ اللهِ وخاصتُه، فعن أنسِ بن مالكٍ -رضي الله عنه- أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ للهِ أهلين من النَّاس، قالوا: مَن هم يا رسولَ الله؟! قال: أهلُ القرآن هم أهلُ اللهِ وخَاصتُه" ([4])، والرّفعةُ دوماً لـمن صَدَقَ في حـَمْله، قال عمر -رضي الله عنه-: أما إنَّ نبيَّكم  قد قال: "إنَّ اللهَ يرفعُ بهذا الكتاب أقواماً ويضعُ به آخرين" ([5])، ومن الرّفعة لصاحبه في الآخرةِ أنْ يُقالَ له: "اقرأْ وارتقِ ورتّل، كما كُنتَ تُرتّلُ في الدُّنيا؛ فإنَّ منزلَتَك عند آخرِ آيةٍ تقرؤها"([6])، وهو شفيعٌ لأصحابهِ يومَ القيامةِ فـ"الصيامُ والقرآنُ يشفعان للعبدِ يومَ القيامة، يقولُ الصيامُ: أي ربّ! إني منعتُهُ الطعامَ والشهواتِ بالنهارِ فشفّعْني فيهِ، ويقولُ القرآنُ: ربّ! منعتُه النومَ بالليلِ فشفّعْني فيه، فيشفعان" ([7])، ويُقدَّمُ صاحبُ القرآنِ على غيرِهِ في أحوالٍ كثيرة:  ففي الإمامةِ "يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ الله"([8])، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- في شهداءِ أُحد يضعُ في الثوبِ الواحدِ واللحْدِ الواحدِ الرجلين والثلاثةَ ويُقدّم أكثرَهم أخذاً للقرآن([9])، وأهلُ العلمِ في رفعةٍ وعزٍّ ما داموا مستمسكين عاملين به، قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}([10]) وخيرُ العلمِ القرآن، وأهلُ القرآن هم خيرُ الناس وأفضلُهم شَرَفاً وقدْرَاً، فعن عثمان -رضي الله عنه- أن رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: ـ"خيركم من تعلم القرآن وعلمه"([11]).

   فما أعظمَ هذا الفضل! وما أجزلَ هذا العطاء! لمن أخْلَصَ وصَدَقَ مع اللهِ في حفظِ وتلاوةِ كتابهِ والعملِ بـما فيه.

   نسألُ اللهَ العظيمَ أنْ يجعلَ القرآنَ ربيعاً لقلوبِنا وذهاباً لأحزاننا وهمومنا وغمومنا، وصلى الله على محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبهِ أجمعين.

 

 

 

 


 

([1])  البقرة: الآية 185.

[2])متفق عليه.

([3]) ص: الآية 29.

([4]) رواه النسائي وابن ماجه، وقال الألباني: صحيح.

([5]) رواه مسلم.

([6]) رواه أبو داود والترمذي، وقال الألباني: صحيح.

([7]) رواه أحمد والطبراني في الكبير، وقال الألباني: صحيح.

([8]) رواه مسلم.

([9]) رواه البخاري.

([10]) المجادلة: الآية 11.

[11] رواه البخاري.

تحميل الملف المرفق: