رسالة إلى داعية.. كيف تكون دعوتك على الجادة؟ - للشيخ د. صلاح الخلاقي

رسالة إلى داعية .. كيف تكون دعوتك على الجادة؟

 


الدعوة إلى الله على علم وبصيرة مسلك الأنبياء، وطريق العلماء الأتقياء، فمن توفيق الله أن يسلك بالعبد هذا الطريق، ويثبته عليه حتى يلقاه، والمتأمل في حال الدعوة والدعاة يجد أنه قد قلَّ السالك فيها على الجادة، ودبَّ الفتور والضعف إلى الكثير من الدعاة، بل تدهورت حال البعض إلى ما لا تحمد عقباه، نعوذ بالله من الحور بعد الكور، وكم نحن بحاجة إلى التآلف والتكاتف، والمذاكرة والتذكير بما يعين بعد توفيق الله للمضي قدماً في الدعوة إلى الله والثبات في سلك الدعاة، ومن تلك الأمور ستة عوامل أذكرها فيما يلي بإيجاز، والله أسأل أن ينفع بها الكاتب والقارئ والسامع.  

  1. الصدق أساس الإتقان في العمل الدعوي، وسبيل الثبات والاستمرار عليه، وهو القاعدة التي يقوم عليها كيان الداعية، ويكون الصدق في التعامل مع الخالق قبل التعامل مع الخلق، وفي الأفعال قبل الأقوال، وعلى قدر صدق الداعية وإخلاصه يتم له مطلوبه، ويتحقق مقصوده، قال صلى الله عليه وسلم: (أفلح، إن صدق).
  2. الصبر مفتاح لكل فرج، وقرين الظفر والنصر، وسبب الرفعة والإمامة، ويكون الصبر على التعلم والتعليم، والصبر على المدعوين والمعاندين، والصبر على شواغل الحياة ومتاعبها، والصبر على الأذى الذي يجده الداعية من المحب والمبغض، والأذى من العدو والصديق، والأذى من المخالفين والمخذلين، وبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين
  3. الـهم الدعوي هو الركيزة التي تنشط الداعية إذا فتر، وتنبهه إذا غفل، وتذكره إذا نسي، والهم يكون في العلم والتعليم، وفي هداية الخلق للحق، وعلى قدر هم الداعية تعتلي همته، وتقوى عزيمته.
  4. الهمة العلية مفتاح السمو والرفعة، وأساس السبق والريادة، بها العصمة من نزغات الشيطان، والهمة تكون في العلم والعمل، وفي التأليف والتوجيه، وفي الزهد بالدنيا والإقبال على الآخرة، وعلى قدر الهم والهمة يتحقق الوصول إلى القمة.
  5. التضحية أُس الدعوة وركنها، وسبب رئيس لدوامها وثباتها، فأصلها البذل، وعمودها الإيثار، وذروتها أن يشتري الداعية نفسه من الله بدعوته، ولذلك يهون عندها كل صعب، ويسهل عندها كل عسير، وتكون التضحية بالعلم حال بذله، وبالوقت عند صرفه فيما فيه نفع الدعوة، وبالمال حال الإنفاق منه، وبالجد والاجتهاد في سبيل ذلك كله، والمقصود يُنال بالتضحية والجود، والمكارم منوطة بالمكاره، والكمالات كلها لا تنال إلا بحظ من المشقة، ولا يُعبر إليها إلا على جسر من التعب.
  6. الوضوح في الدعوة أصل التميز والصفاء، وسبب حصول القوة والنقاء، بها يحمي الله الداعية من التلون والاضطراب، ويكفيه طمع الأحزاب، والوضوح في بيان حقيقة الدعوة، وفي الهدف المنشود، وفي وسائل الدعوة، وفي التعامل مع المدعوين، وفي الرد على المخالفة والمخالفين، وحامل الدعوة يجب أن يكون كالدعوة التي يحملها في الوضوح والاستقامة، فإن عرَّض دعوته للغموض والتلون خاب وخسر على قدر تلونه.

وهذه الأمور الستة نظمها أحد الأفاضل في بيت واحد:


         صبرٌ وصدقٌ ووضوحٌ تضحية ** همٌّ وهمةٌ سبيل الداعية


وقال الآخر:


        صادان ضادان كذا هاءان ** وسائل الداعي إلى الرحمن


صادان: (الصدق والصبر)، ضادان: (التضحية والوضوح)، هاءان: (الهم والهمة)، والمتأمل في قول الله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ﴾[آل عمران:200]، يجد أنها اشتملت على هذه الأمور الستة وجمعت مقاصدها، ووضحت دلائلها بأوجز عبارة وأوضح إشارة، إذ نادى الله الدعاة بوصفهم الملازم: الإيمان الذي أساسه الصدق، ثم أمرهم بالصبر، ثم حضهم على المصابرة التي لا تتحقق إلا بالتضحية، ثم أمرهم بالمرابطة وهي الثبات والدوام في الأمر، ولها دعامتين: الـهم والهمة، وختم هذه الأوامر بالأمر الجامع لكل خير وهو التقوى المقتضية لئن يكون واضحاً نقياً، سليم القلب، صادق اللهجة.
اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، ونسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، ونسألك قلباً سليماً، ولساناً صادقاً، ونسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بك من شر ما تعلم، ونستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب.

 


كتبه د. صلاح محمد موسى الخلاقي
20/10/1438هـ 14/7/2017م