رسائل لم يحملها البريد .. إلى محفظ القرآن - للشيخ د. صلاح الخلاقي

رسائل لم يحملها البريد .. إلى محفظ القرآن
تعتبر مرحلة الدراسة في مراكز تعليم القرآن الكريم الدرجة الأولى من درجات سلم طلب العلوم الشرعية، فالحاجة ماسة لتعليم أبناء المجتمع القرآن الكريم وإقرائه قراءة صحيحة، وحفظه حفظاً متقناً، والتأدب بآدابه، كما أن حِلق القرآن مرتع خصب لإحياء الأخلاق الحميدة والشمائل المحمدية في نفوس حاملي القرآن، ولغرس القيم الإسلامية فيهم، ولتهذيب عواطفهم، فيتميز بذلك حافظ القرآن عن غيره من الشباب بهذه التربية التي تقوم على سواعد الـمحفظ القدوة الذي بذل نفسه لنفع أبناء المجتمع، فإلى مَن تحمَّل أمانة تعليم القرآن وتحفيظه، أوجه هذه التوجيهات التي أسأل الله أن ينفعني وإياه بها:

 

•أخلص عملك لله، واحرص على نيل رضاه، واحذر كل الحذر من طلب ثناء الناس، أو صرف وجههم إليك، أو جمع نقاط ومكاسب دنيوية، فقد أُثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (يا حملة القرآن اعملوا به، فإنما العالم من عمل بما علم، ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يخالف عملهم علمهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يجلسون حلقاً يباهي بعضهم بعضاً، حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله تعالى).
 

•تحل بصفات المعلم القدوة، وهو الذي: «كمُلت أهليته، وتحققت شفقته، وظهرت مروءته، وعرفت عفته، واشتهرت صيانتُه، وكان أحسن تعليماً، وأجود تفهيماً»، وكن ذا رغبة صادقة في التعليم، ورعاً سمحاً سخياً رحب الصدر رحيماً رفيقاً صبوراً على معاناة التعليم، حسن الخلق، حسن المظهر، حسن المنطق، دائم البِشر، جامعاً للديانة والأمانة والصيانة والرزانة.
 

•اسع في تقريب المعلومة في أيسر طريق، ونوِّع في وسائل التعليم، كطريقة الاستماع والتلقين، سواءً التلقين الجماعي أو الفردي، واستفد من الوسائل الحديثة كالأجهزة التي تشتمل على تكرار الآيات، وغيرها من الأساليب، واستعمل الترغيب تارة والترهيب تارة، وتجنب الأساليب التي تولد الكراهية والنفرة، كالعنف الشديد والزجر المستمر والهجر الطويل، واجعل عقوبتك محفوفة بالشفقة، وحزمك محاطاً بالرأفة، وعليك بالعدل بين الطلاب فهو لازم كما هو الحال بين أبناء الأصلاب.
 

•اجهد بعزم صادق للعمل بالقرآن، فأنت قدوة لطلابك، فأدم قراءته وتلاوته وفهم ما فيه من أوامر فامتثلها، وما فيه من نواهٍ فاجتنبها، وكن لطلابك بمثابة الطبيب: و«من لم يحسن أن يكون طبيباً لنفسه، لم يصلح أن يكون طبيباً لنفس غيره، ومن لم يحسن أن يؤدب نفسه، لم يحسن أن يؤدب نفس غيره» أدب النفوس للآجري (ص: 267).
 

•كن ملماً بأحكام التجويد، واعمل جاهداً على تقويم نطق الطالب، وأسهِم في تنمية فصاحته، وإكسابه ملكة التدبر لهذا الكتاب العزيز.
 

•قم بتهيئة المكان المناسب للتعليم، واختر أنسب الأوقات، واسع في تهيئة المتعلم، وتنمية رغبته، فالرغبة تورث الحرص، ومن جمع الله له بين التوفيق والحرص هانت عليه كل معوقات الاستمرار والثبات.
 

•اهتم بجانب التلاوة والحفظ والمراجعة على حد سواء، فالتلاوة الصحيحة رأس مال القارئ، والحفظ هو أساس الحلقة ومن أجله أسست، والمراجعة ثمرتها تثبيت الحفظ وترسخه في قلب الحافظ.
 

•تدرج في تعليم القرآن وفق مراحل مدروسة، واستفد من تجارب الآخرين، وراعِ الفروق الفردية بين المتعلمين ومستوياتهم وأعمارهم، فمقدار الحفظ والمراجعة مما يتوقف على تقدير المعلم لحال المتعلم، وذلك في جميع المراحل التي يمر بها.


•التكرار أهم وسيلة لحفظ القرآن ومعاهدته، وهو وإن كان صعباً على النفوس؛ إذ يجلب إليها الملل؛ إلا أن المحفظ القدوة هو مَن يتفنن في غرس هذا المبدأ في نفوس طلابه، ومن الطرق المعينة على غرس مبدأ التكرار: التوجيه والإرشاد إليه، وبقراءة المدرس على الطالب الدرس، وبالمراجعة المستمرة، سواءً القريبة أو البعيدة، وبتكرار الحفظ من مطلع السورة مع كل حفظٍ جديد، وغير ذلك من الأمور التي تمرن الطالب على تقبُل مبدأ التكرار، وهذا يتطلب المتابعة الدائمة، والملاحظة المستمرة لسير عملية الإتقان والضبط.
 

•اجمع للطالب بين: السماع والفهم، والحفظ، والثبات، والأداء، فلا يتحقق الإتقان إلا بذلك، وهو أهم ما ينبغي أن يطمح إليه المحفظ.
 

•كن خير معين على مضي الطالب قُدماً في تسميع أكبر قدر ممكن من الحفظ والمراجعة، بحيث لا يتعارض مع توازن سيره الطبيعي، فعدم الاكتراث بالتسميع له دون مبرر يضعف عزيمته، ويُخفق همته.
 

•ضع بصمتك في نفوس طلابك، فلمساتك هي الصرح الذي يبنون عليه علمهم وعملهم في المستقبل، فأعِدَّهم للتفقه، واجعلهم مثالاً للمواطن الصالح، وذلك بتوجيههم إلى آداب الطالب مع نفسه ولبسه وهيئته، ومسجده وصلاته ومصحفه وأهله وزملائه ومعلمه ومدرسته ومجتمعه.
وفي هذا القدر كفاية وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

كتبه
د. صلاح بن محمد موسى الخلاقي