رسائل إلى إمام المسجد- للشيخ د. صلاح الخلاقي

رسائل إلى إمام المسجد

نُشر هذا المقال في جريدة الأيام في العدد 10040 الثلاثاء 4 أكتوبر 2016 الموافق 3 محرم 1438

 

اعلم وفقني الله وإياك أن الإمامة رسالة عظيمة، ومهمة جسيمة، فهي رمز الاجتماع والائتلاف، وأصل في تحقيق مصالح الدنيا والدين، وكل ذلك عندما يقوم عليها دعاة الحق، وصفوة الخلق، حماة الدين، وحراس العقيدة الصحيحة، فيتعلم على أيديهم الجاهل، ويستيقظ من أجل مواعظهم الغافل، ويهتدي بهم السالك، وتسمو بتوجيهاتهم النفوس، وتزكو الضمائر، وتتهذب الأخلاق، ويقوم سوق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتحيا السنن، وتندرس البدع، ويسعد الناس بالأئمة الأكفاء، وتنتشر الفضيلة، وتنحسر الرذيلة، ويكثر الخير ويقل الشر.

فإن وُسِد الأمر لغير أهله، وتولى على مساجد المسلمين مَن ليس لها أهل: فأمَّ المسلمين مَن كان للجماعة مفرطاً، ولشؤون المسجد مهملاً، ولجماعة المسجد معادياً، وربما يتخذ من منصبه سُلماً لتحقيق أغراض دنِيَّة،= حل الشر والبلاء، وتفشى الفساد، وانقطعت أواصر الأخوة والتلاحم، وسادت الغفلة، وضيعت الأمانة، وانعدمت الثقة بأهل الدين، وحلت الرذائل مكان الفضائل، والإعراض عن الدين محل الإقبال عليه، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

إذا تقرر ذلك فهذه جملة من الرسائل أزفها إليك، فأَرعِ لها سمعك، وافتح لها قلبك، وخذ منها ما صفا ودع ما كدر:

  • جدد نيتك وأصلح سريرتك، ولتكن علانيتك قدوة حسنة للمصلين، واعلم أن (الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم) كما قال عثمان رضي الله عنه.

  • الإمامة مبنية على الأفضلية، فاستشعر الأمانة، فإن علمت أنك ليس لها بأهل فدعها، قبل أن تكون خزي وندامة، فكم هو جدير بمن يتولى هذا العمل أن يتعاهد نفسه، ويتفقد حاله، فكلما ازدادت محاسبته كان قادراً على تحمل هذه المسئولية، ومؤدياً لها على الوجه المراد.

  • حافظ على الصلوات، وإياك والتغيب عن الجماعات، فإن ذلك مفتاح الشر بينك وبين الناس، وإياك أن تكون ممن أمَّ قوماً هم له كارهون، فقد جاء الوعيد الشديد في ذلك، فقال r: (ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة: إمام قوم وهم له كارهون ..)، وفي رواية: (لا تقبل لهم صلاة ولا يجاوز صلاتهم رؤوسهم شبراً)، وفي رواية: (لا تجاوز صلاتهم آذانهم).

  • تواضعْ للناس، واستمع لمشاكلهم، واسعَ في حلها، وشاركهم أفراحهم وأحزانهم، وراعِ أحوالهم واختلاف بيئاتهم، وكن للكبير ابناً، وللصغير أباً، وللبقية أخاً، وللجاهل معلماً، وللغافل منبهاً، وللناسي مذكراً، ولا تستعجل هدايتهم (إن عليك إلا البلاغ).

  • تحلَّ بالصبر على الأذى، والحكمة في تغيير المنكر، فإن الفوضى قد تُحوِّل المسجد مكاناً للمهاترات، وموضعاً للسِّباب والمشاجرات، واغرس تعظيم حرمة المسجد في نفوس الناس (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).

  • عليك بالقصد والتوسط في أمورك كلها، فلا تشق عليهم بالتأخير ولا بالتبكير، ولا تطل في الصلاة إطالة تؤذي الكبير والمريض وذا الحاجة، ولا تخفف تخفيف مَن يسرق من صلاته، (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا).

  • اهتم بشؤون المسجد، وكن لحاجياته موفراً، ولمتطلباته ملبياً، واسعَ في عمارته بذكر الله تعالى وما والاه من الدروس العلمية والمحاضرات التوعوية، واجعل هذا هو شغلهم الشاغل، إياك وفتح باب الحزبية والكلام في السياسة المعاصرة؛ فإنها تمسخ الدين، وتفرق الجمع وتشتت الصف.  

 

وإلى رسائل قادمة إن شاء الله .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

كتبه

د. صلاح محمد موسى الخلاقي

26/ذو الحجة/1437هــ، 27/9/2016م

 

*رابط المقال على موقع جريدة الأيام البحرينية