دور دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في القضاء على التخلف والرجعية - للشيخ محمد كليب

دور دعوة الإمــــام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في القضاء

على التخلف والرجعية

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه والتابعين؛

أما بعد:-

فإن من رحمة الله -عز وجل- بالمسلمين أن يقيض لهم من يجدد أمر دينهم، لا سيما مع اندثار الكثير من السنن وضياعها وانتشار البدع، وتسلط أهلها، ونص النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك قائلاً: (يبعث الله على رأس كل مائةٍ من يجدد لهذه الأمة أمر دينها) ([1]).

وها هم العلماء -ولله الحمد- على مر التأريخ والعصور وهم يحيون السنن ويحاربون البدع ويجددون ما طمسه الأعداء من هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومن نظر في سير هؤلاء الأئمة يجد ذلك جلياً في تضحياتهم وجهودهم التي بذلوها في خدمة الكتاب والسنة؛  حيث عرضت لهم أصناف البلايا فصبروا وتحملوا في سبيل الله، ورجاء نشر الحق وإنقاذ الخلق، ومن هؤلاء الذين قدموا للإسلام والدعوة وبذلوا من أجلها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب التميمي-رحمه الله تعالى-.

قامت دعوته رحمه الله سائراً على منوال السابقين، محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والتابعين والأئمة من بعدهم، وكان في زمن خَفيتْ فيه معالم السنة، وتسلط أهل البدع على المسلمين، وقل الناصحون والمبادرون لإنكار المنكر، وقويت شوكة أهل التخلف والرجعية: بين ساجد لقبر، وعاكف عند شجرة، ومستغيث بالسحرة والفجرة، وذابح للجن والشياطين، وعابد للرهبان والسلاطين، وباذل ماله في الخرافات، ومضيع لوقته في الترهات والسخافات. فجاء رحمه الله وأشهر سلاح العلم، وأعلى راية التوحيد -بعدما حاول أهل الأوثان إسقاطها-، وحارب الجهل وأهله والبدع وأهلها بسيف العلم والسنة، فوجه ونصح، وأرشد وأفصح، وأنكر وأزال قباب الشرك ومعالم الجهل التي من خلالها سلبت أموال، واستبيحت أعراض، وضيعت حقوق، وأيده الله بمن يعينه على ذلك من آل سعود فوقفوا معه في نصرة الحق وبيانه، وآزروه ونصروه، فجزاهم الله عن الإسلام خيراً.

حقيقة التخلف والرجعية:

يظن  الكثير اليوم أن التخلف الرجعية في كونك لا تجيد صناعة السيارات أو الطائرات أو لا تحسن استخدام أمور ربما أنت في غنىً عنها، أو أنك لم تفعل ما فعله قوم ما في بلد ما، أو أنك لم تسر على خطا اليهود أو النصارى، ونحو ذلك مما يتوهمه عشاق الدنيا.

كلا، ليس الأمر كذلك، فحقيقة التخلف والرجعية التي دمرت الأمم والشعوب وألبستها لباس الذل والعار والهوان هو الشرك في عبادة الله -عز وجل-؛ أن تتذلل للمخلوق بسجود أو ركوع أو ذبح أو نذر، أو تقصد ساحراً  أو تعكف عند قبر مخلوق، أو تتعلق بأشجار وأحجار؛ طلباً للنصر والرزق والحاجة، أو أي قربة من القربات تقدمها لغير الخالق سبحانه، هذه هي التخلف والرجعية، وليست رجعية تخالف النصوص فحسب، وإنما تخالف العقول والفطر السليمة {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} ([2]) .

ومن المؤسف أن يأتي بعض المعاصرين ممن خدع بزخرف الدنيا وتبعية اليهود والنصارى، وابتدع منهجاً جديداً أسماه العلمانية أو الليبرالية أو نحوهما؛ كي ينعم بالدنيا كما يزعم، فيتهم من يدعو لتوحيد الله وإخلاص العبادة له بأن دعوته فيها تخلف ورجعية، وأن التقدم والتطور الدنيوي هو عين العلم والحكمة والعقل!

يقال لمثل هذا: هل سألت يوماً عن الأمم السابقة كم تقدمت وكم أبدعت وكم تطورت وارتقت في أمور الدنيا؟ كانت تنحت الجبال بيوتا، وتبني القصور والدور، وتتفاخر بالذهب والفضة، وتتعاظم بالملك والجبروت والسيادة  وسائر الأمور، ولا تزال معالمها بين يديك في مختلف بقاع الأرض واضحة الظهور، إلا أنها ارتكبت الشرك وأصرت على المعاصي وغرها بالله الغرور، فكُتب عليها الخزي إلى يوم النشور، وكتب التأريخ تحكي حالها وتبين أمرها فعد إن شئت وفتش إن أردت بين الألواح والسطور..!

فليس من المعقول أن يقال لمن يدعو الناس إلى العزة والرفعة وترك الذل والهوان أن تكون دعوته تخلفاً ورجعية..!

وهذا هو الحال في دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-؛ فإنها مذ ظهرت وهي تحارب التخلف والرجعية  التي تستشري اليوم في بلدان تعد من الدول المتقدمة عالمياً في شتى مجالات الحياة، فانظر إلى اليابان والصين وأوروبا والهند وغيرها من الدول المصنفة بالرقي والتقدم والتطور عند من فتن بهم وفهم التخلف والرجعية فهماً خاطئاً، كم تعاني مثل هذه البلدان من التخلف والرجعية، إذ ما الفائدة من كونها تصنع الطائرات والسيارات والأسلحة والهواتف وسائر وسائل التكنولوجيا والاتصالات صباحاً، والكثير ممن فيها يركع ويسجد وينكسر بجانب الفئران والأبقار والشياطين والجدران والحيطان مساءً؟!!

وأين التطور والتقدم والرقي المزعوم عند هؤلاء، إذا كانوا يتذللون لأرذل المخلوقات؟!!

فلا تنخدع أخي المسلم بما يقوله بعض المغرضين في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب القائمة على توحيد الله الذي هو لب التقدم والرقي والتطور والازدهار؛ والذي فيه عز الإنسان ورفعته والنجاة من النار؛ لأنه هو الباقي وأما الدنيا فمصيرها إلى الذهاب والفراق، قال تعالى: "وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ"([3]) ، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما لي و للدنيا ! ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح و تركها) ([4]) .

السلاح الذي حارب به الشيخ محمد بن عبد الوهاب مبدأ التخلف والرجعية:

سلاح العلم والحكمة والحلم، هو السلاح الوحيد الذي سله الشيخ -رحمه الله- لمحاربة التخلف والرجعية، ومما يذكر له عن أشياخه أنه حين خرج رحمه الله قاصداً بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج سار بعدها نحو المدينة ووجد فيها العلامة عبد الله بن إبراهيم من آل سيف، وهو من رؤساء بلدة المجمعة،  فأخذ عنه الشيخ محمد –رحمه الله- وقال له ذات يوم: (تريد أن أريَكَ سلاحًا أعددته للمجمعة؟ ) قلت: نعم. قال الشيخ محمد: فأدخلني منزلًا عنده فيه كتب كثيرة، وقال: (هذا الذي أعددنا لها) ([5]).

ومعلوم في تلك الفترة أن أهل نجد كانوا يعيشون في جهل مذقع وبخاصة في علوم الشريعة، فلما بدا هذا الإمام بين أظهرهم بعد رحلات طوال جاب فيها الشرق والغرب بحثاً عن العلم، عاد ووضع رحله في بلدة الدرعية ليشع منها نور العلم وتطمس ظلمات الجهل التي تغلغلت في نفوس أبنائها، وبذل جهداً عظيماً رحمه الله ، وبادر للعلم والتعليم فأصبحت الدرعية قبلة يقصدها الناس لطلب العلم، حتى يقول المؤرخون: إن رعاة الاغنام أصبحوا يخرجون إلى المرعى ولوح التعليم في أعناقهم، بل إن بعضهم كان يعمل ليلاً ليتعلم نهاراً؛ حباً وشغفاً بهذا العلم الذي حرموه سنين طويلة بسبب تسلط الجهال وأهل الخرافات عليهم.

وقد جعل الشيخ مع مؤيديه ومناصريه من آل سعود التعليم في تلك الفترة إلزامياً للرجال والنساء، في المساجد والمدارس ومجالس العلم؛ حرصاً منه على محاربة الرجعية التخلف التي يزعمها البعض اليوم وينسبها للشيخ الذي كان أشد اعدائها ظلماً وزوراً.

يقول عبد الرحمن الرويشد وهو يوضح مكانة "التعليم الإلزامي"  في دعوة شيخ الإسلام -رحمه الله-: (من الأشياء التي يمارسها الوهابيون كربط للإصلاح العقائدي ومعايشة التخلق بأخلاق الدين على علم وبصيرة: إلزام فئات الأمة ممن حُرِموا نعمة التعليم وأشباههم بتعلم كلمات في العقيدة، والدين، والأخلاق..) ([6]).

واهتمامه وعنايته رحمه الله تعالى بالعلم الشرعي عقيدة وفقهاً وأخلاقاً جعل دعاة الرجعية والتخلف المناوئين والشانئين لدعوته يتحيرون في الرد عليه ويعجزون في مواجهته ومناظرته مما اضطرهم إلى استخدام أسلوب السب والتهكم والسخرية والنبز بالألقاب والتحقير والاستهزاء الذي لا يزالون يستخدمونه حتى يومنا، بل لجأ بعضهم إلى محاربته ومقاتلته حسداً من عند أنفسهم؛ لأنه أبطل مفعول مشروعهم في تعطيل توحيد الله –عز وجل- ونشر البدع والخرافات، والترزق والتكسب بأموال الناس من خلالها، وهذا أحد مؤرخيهم يقول: (إن الرد على الوهابية يستوجب ثقافة واسعة، ومعرفة بأحوال البلاد العربية الدينية والاجتماعية والسياسية، ووقوفًا على علوم الدين، واطلاعًا واسعًا على الحركات الفلسفية، ومقدرة على الجدل والإقناع .. وكل ذلك مفقود عند العلماء الذين ردوا على الوهابية، وكل ردودهم مشحونة بالسخف والهراء .. وإنهم يقدمون بأيديهم وسيلة للسخرية منهم ومن ردودهم..)([7]).

نعم .. هكذا هم أهل الرجعية والتخلف يلجمهم العلم فيلجأون لمثل هذه الأساليب الدنيئة، ولكن الشيخ وأعوانه وطلابه –وهو الواجب على كل من تمسك بالسنة- كان شعاره قول الله –تعالى-: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" ([8]).

أمثلة وصور للتخلف والرجعية التي حاربها الشيخ وسعى للقضاء عليها:

واجه الإمام محمد بن عبد الوهاب أصنافاً من الناس تغلب عليهم العصبية الممزوجة بالجهل، أحدهم يزور شجرة ويقرب لها القرابين وأنواع العبادات بحثاً عن الولد والرزق كشجرة تدعى بفحل الفحول، والآخر يسجد للقبور رجاء الشفاعة من أصحابها كقبر زيد بن الخطاب وضرار بن الأزور وابن عباس وميمونة وغيرها، وآخر يعكف عند الأحجار والكهوف طلباً للسعادة وهناء العيش، وآخر يدعو الموتى كي يهبوه المدد والغوث، وآخر يتمسح بالجدران، وآخر متردد على السحرة والكهنة والعرافين يطلب بذلك دفع الضرر وجلب الخير، وقوم آخرون مبتلون بتقديس الأشخاص متعصبون للمذاهب مبغضون لمن خالفهم  .. الخ.

مثل هذه الخرافات راجت سوقها في نجد والحجاز ، وضعف أهل النصح عن البيان؛ لشراسة وتكبر وعنت أصحابها، واعتقادهم أن مصريهم معلق بها.. فأثبت شيخ الإسلام زيفها وسل لسانه وقلمه لفضحها، وشرع في إنكارها ، ثم أخذ معوله فهدهما عن بكرة أبيها؛ واتضح للناس حينئذ أنها كانت لا تغني عنهم من الله شيئاً.

يقول الشيخ في رسالة له لأحد علماء العراق: (أخبرك -أني ولله- الحمد متبع، ولست بمبتدع، عقيدتي وديني الذي أدين الله به مذهب أهل السنّة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة، لكني بيَّنت للناس إخلاص الدين لله، ونهيتهم عن دعوة الأحياء والأموات من الصالحين وغيرهم، وعن اشتراكهم فيما يعبد الله به، من الذبح والنذر والتوكل والسجود وغير ذلك مما هو حق لله الذي لا يشركه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وهو الذي دعت إليه الرسل من أوَّلهم إلى آخرهم، وهو الذي عليه أهل السنَّة والجماعة)([9]).

ويقول تلميذه الشيخ عبد اللطيف حاكياً ما يدعو إليه الشيخ: (ثم إن شيخنا رحمه الله كان يدعو الناس إلى الصلوات الخمس، والمحافظة عليها حيث ينادي لها، وهذا من سنن الهدى، ومعالم الدين كما دلَّ على ذلك الكتاب والسنَّة، ويأمر بالزكاة والصيام والحج، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويتركه، ويأمر الناس بتركه والنهي عنه، وقد تتبع العلماء مصنفاته رحمه الله من أهل زمانه وغيرهم فأعجزهم أن يجدوا فيها ما يعاب. وأقواله في أصول الدين مما أجمع عليه أهل السنَّة والجماعة، وأما في الفروع والأحكام فهو حنبلي المذهب لا يوجد له قول مخالف لما ذهب إليه الأئمة الأربعة..)[10]. فهذا هو ما كان يأمر به وينهى عنه الشيخ –رحمه الله تعالى-، ولم يكن متعصبا لمذهب أو رأي أو حزب أو قبيلة وإنما كان متجرداً للكتاب والسنة، قال رحمه الله:  (لست ولله الحمد أدعو إلى مذهب صوفي أو فقيه أو متكلم أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم مثل ابن القيم والذهبي وابن كثير وغيرهم، بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأدعو إلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي أوصى بها أول أمّته وآخرهم وأرجو أني لا أرد الحق إذا أتاني، بل أُشهد الله وملائكته وجميع خلقه إن أتانا منكم كلمة من الحق لأقبلنّها على الرأس والعين، ولأضربنّ الجدار بكل ما خالفها من أقوال أئمتي حاشا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه لا يقول إلا الحق..)[11]

فليت شعري..!

كيف يجرؤ أقوام أن يقولوا عمن يدعو لمثل هذا رجعية وتخلفاً، فالظلم ظلمات يوم القيامة..!

إن لم يكن ما دعا إليه الشيخ علواً وعزاً ورفعة فأي علو وعز بعده، قال عمر –رضي الله عنه-: "إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله"([12])، فلا عزة إلا بدين التوحيد، وما انتفع قوم بأوثانهم قط على هذه الأرض.

وليس بغريب مثل هذه التهم فقد اتهم الشيخ بما هو أعظم من ذلك!

 رماه أهل التخلف والرجعية بالكفر والزندقة وقالوا عنه كافر ضال مبتدع ! ليس لذنب ارتكبه سوى أنه قال لهم: دعوا القبور والأضرحة والسحرة والكهنة والأحجار والأشجار وعودوا إلى الواحد الغفار، لا أكثر من هذا، لكن العادة جرت عند أهل الباطل أنهم يستخدمون شتى الأساليب ويروجون الأقاويل والأكاذيب لنصرة باطلهم، وتحقيق أهدافهم في إضاعة الأمة وتدميرها، وخذ أنموذجاً على ذلك:  أحمد رضا البريلوي ألف مؤلفاً تحت عنوان "الكواكب الشهابية في كفريات الوهابية" قال فيه أقوالاً عظيمة يقشعر منها البدن؛ لشناعة معناها وقبح ألفاظها، من تلك الأقوال، قوله: "إن الطائفة الوهابية ثبت كفرهم بآلاف الوجوه والأسباب"، ومنها: "إن الوهابين مرتدون ومنافقون؛ لأنهم يتظاهرون بالإسلام وبالشهادة"، ومنها: "إن الوهابيين أرذل من إبليس، وأفسد منه وأضل؛ لأن الشيطان لا يكذب، وهؤلاء يكذبون"، ومنها: "إن الوهابيين أخبث وأضر من الكفرة الحقيقيين من اليهود والوثنيين وغيرهم".

فلا عجب في أن يأتيك آت اليوم ويتقول على الشيخ الأقاويل ويروج ويتهم بغير حجة ولا دليل، فهؤلاء هم أسلافه يكفرون ويضللون دون برهان، وسبقهم قبل ذلك أسيادهم من الرافضة والخوارج في تكفير صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية -رضي الله عنهم-، ولا زالوا يعتقدون هذا الاعتقاد ويسلكون هذا المسلك، ويرون كفر المسلمين واستحلال دمائهم حتى يومنا عياذاً بالله.

والمضحك في الأمر أنهم يرمون الشيخ -رحمه الله- بدائهم، فيتهمونه بتكفير المسلمين؛ حقداً وتشويهاً وتنفيرا، وقد رد عليهم رداً صريحاً لا مرية فيه ولا لبس قائلا: (وقولكم إننا نكفر المسلمين، كيف تفعلون كذا، كيف تفعلون كذا. فإنا لم نكفر المسلمين، بل ما كفرنا إلا المشركين)([13]) ، وقال ناطقاً بما نطقت به كتب عقيدة أهل السنة والجماعة: (ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنّة ولا نار، إلا من شهد له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكني أرجو للمحسن وأخاف على المسيء، ولا أكفر أحداً من المسلمين بذنب، ولا أخرجه من دائرة الإسلام، وأرى الجهاد ماضياً مع كل إمام براً كان أو فاجراً، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة، والجهاد ماضٍ منذ بعث الله محمداً -صلى الله عليه وسلم- إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل..)([14])، وفي رسالته لأهل القصيم في رد ما افتراه عليه ابن سحيم قال: (والله يعلم أن الرجل افترى عليّ أموراً لم أقلها، ولم يأت أكثرها على بالي، فمنها قوله: أني أقول أن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء، وأني أكفر من توسل بالصالحين، وأني أكفر البوصيري، وأني أكفر من حلف بغير الله.. جوابي عن هذه المسائل أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم)([15]).

ويستمر الشيخ في سعيه لما فيه عز الأمة ورفعتها وجمع كلمتها، فيسقط مشروعاً آخر من مشاريع تخلف ورجعية الخوارج والعلمانية ونحوهم: فمن المعلوم أن هذه الفئات الضالة صنعت المشاريع المدمرة للأمة ووحدتها، فمشروع الثورات أحد مشاريع التخلف والرجعية الواقعة اليوم بين أيدينا، تزعمها  وبررها الخوارج والعلمانية ودعوا لخروج الناس على ولاة أمورهم كي يسعدوا بحياة راقية وتطور وتقدم بزعمهم، وفعلوا ذلك فنالوا دمارا لم يسبق له مثيل في تأريخ البشرية، يقبح الحديث عنه في هذا الموطن..!

والمقصود أن الشيخ -رحمه الله تعالى- كان حريصاً على اجتماع المسلمين نابذاً للفرقة والشتات الذي يروج له اليوم دعاة الرجعية والتخلف: فكان يدعو إلى طاعة ولي الأمر بالمعروف، والاصطفاف حوله، وحرمة الخروج عليه؛ استناداً لما دل عليه الكتاب والسنة، رافضاً ما نراه اليوم من رعاع التخلف والرجعية الذين هيجوا الشعوب وأيقظوا الثورات وأصاب المسلمون بسبب ذلك الدمار والشتات؛ لديموقراطية مزعومة، وأيدولوجيات غير مفهومة، ومخططات مفضوحة معلومة، وأفكار وآراء مسمومة، فمكنوا أهل الشر والفساد وسهلوا لهم العدة والعتاد، كل هذا لأنهم تركوا أصلاً عظيماً نادى به رسولنا -r- "اسمعوا وأطيعوا"([16])، وامتثل له الصحابة -رضي الله عنهم- من بعده والتابعون وتبعهم على ذلك ابن عبد الوهاب قائلاً: (وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به، وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه)([17]) ، وقال أيضاً: (الأصل الثالث: أن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمّر علينا، ولو كان عبداً حبشياً فبين له هذا بياناً شائعاً كافياً بوجوه من أنواع البيان شرعاً وقدراً. ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند كثير من يدعي العلم، فكيف العمل به)([18]).

ومن المشاريع التي أسقطها الشيخ مشروع المرأة الذي يسعى العلمانية ودعاة التغريب باذلين قصارى جهدهم من أجله؛ لأنه في نظرهم جبار، وبوابة لهدم الأخلاق والقيم الإسلامية التي يستميتون لتحقيقها، فيسعون للوصول للمرأة المسلمة، وكشف سترها، ومسخ عفتها، فلم يرتضوا بدعوة الشيخ أبداً؛ لأنها مرصعة بنصوص الكتاب والسنة الدالة على الحفاظ على المرأة وحمايتها وإعفافها وسترها، وصونها بالحجاب الشرعي، وأداء حقها على أكمل وجه.

وقد أبطل الشيخ -رحمه الله- عليهم مشروعهم فحرص أشد الحرص على إخراج المرأة أولاً من دائرة الجهل الذي ألزمها به دعاة الرجعية والتخلف  من أن تظل أمية لا تقرأ ولا تكتب، فحث على أن تتعلم وتتبصر في أحكام دينها ودنياها، وقضى بإعادة حقها المسلوب في نيل نصيبها من الميراث والذي شاع في الجزيرة العربية وحرمت منه زمناً طويلاً، ودعا لتمسك نساء المسلمين جميعا في الجزيرة وغيرها باللباس الشرعي ومبادئ الدين ونشر الوعي والأخلاق ومعاقبة المسيء والمخالف، فتحقق –ولله الحمد- ما أراد، وهكذا في كل زمان من أراد الإصلاح لابد وأن ينتج ولو بعد حين؛ فلعل تحامل القوم على الشيخ -رحمه الله تعالى- كان هذا المشروع أحد أبرز الأسباب التي ولد من ورائه هذا الحقد الدفين عافانا الله والمسلمين.

ختاماً.. هنيئاً لك يا من تدعو الناس إلى توحيد ربهم، وتبصرهم بأحكام دينهم، فأنت من خير الناس بعد الأنبياء فـ(من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) [متفق عليه].

هذا ما جاد به قلمي توضيحا وتلميحاً لمن فتن بالغرب، وأخطأ مفهوم التخلف والرجعية، وبدأ يطيل لسانه على أهل الإسلام: علمائهم وعامتهم، متهماً إياهم بالرجعية والتخلف، نسأل الله أن يهدينا إلى الحق أجمعين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

كتبه: أبو أيوب محمد مطهر كليب

28/ شعبان/ 1435هـ، الموافق: 15/ 6/ 2015م

 


[1])) رواه أبو داود، وقال الألباني: صحيح

[2])) سورة الروم: الآية 31.

([3]) سورة العنكبوت: الآية 64.

([4]) رواه الترمذي، وقال الألباني: صحيح

[5])) المختار المصون من أعلام القرون: (3/ 1898).

[6])) الوهابية حركة الفكر والدولة: ص (26، 27).

[7])) الوهابية حركة الفكر والدولة: ص (30-31).

[8])) سورة الأعراف: الآية 99.

([9]) مؤلفات الشيخ الإمام (الرسائل الشخصية): (5 / 8 – 11).

[10])) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية:  (3/367).

[11])) مجموعة مؤلفات الشيخ (الرسائل الشخصية) : (5 / 36)

[12]))  أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين، ووفقه الذهبي، قال الألباني: وهو كما قالا.  

([13]) مجموعة مؤلفات الشيخ، 5 / 189.

([14]) مؤلفات الشيخ الإمام (الرسائل الشخصية): (5 / 8 – 11).

([15]) مؤلفات الشيخ الإمام (الرسائل الشخصية): (5 / 8 – 11).

([16]) متفق عليه.

[17])) مجموعة مؤلفات الشيخ: (5/11)

[18])) مجموعة مؤلفات الشيخ: (1/394).