بين يدي رمضان - للشيخ أحمد عسكر

بسم الله الرحمن الرحيم
 
بين يدي رمضان
 
أخي المسلم أختي المسلمة..
 
من نعم الله العظيمة على المسلم أن يبلغه شهر رمضان، الذي ترفع فيه الدرجات، وتقال فيه العثرات، وتعتق فيه رقاب من النار. 
 
ومما يدل على فضل إدراكه والعمل فيه، ما جاء في قصة رجلين من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أحدهما أشد اجتهادا، وغزا في سبيل الله واستشهد، ثم مات صاحبه بعده بسنة، فرأى  طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه -الذي تخلف- دخل الجنة قبل الذي كان أشد اجتهادا ومات شهيدا، فعجب الصحابة من ذلك فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أليس قد مكث هذا بعده بسنة، وأدرك رمضان فصامه، وصلى كذا وكذا في المسجد في السنة) [مسند أحمد وصحيح ابن حبان] فإدراك رمضان فضل عظيم ومنة كبرى، يجب شكرها، والمسارعة في اغتنامها. 
 
وإليك أخي المسلم بين يدي هذا الشهر هذه النصائح والوصايا، نفعني الله وإياك بها: 
 
1- غاية الصيام العظمى وهدفه الأسمى تحقيق تقوى الله كما في آية الصيام: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ".
 
والتقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل ما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، وكل ذلك على نور وعلم رجاء ثوابه وخشية عذابه.
 
2- كان السلف يدعون الله أن يبلغهم رمضان، وأن يسلمهم في رمضان، ويوفقهم، وأن يتقبل منهم عملهم بعد رمضان، فسل الله أن يبلغك رمضان واعزم على الاجتهاد فيه؛ فلعلك لا تدركه فيكتب لك من الأجر على النية الصادقة ما تقر به عينك حين تلقى ربك، وإن أدركته فاجتهد فيه غاية الاجتهاد فأيامه معدودة، ولياليه سريعة الانقضاء، لكن العمل فيها مضاعف، وأبواب الجنان فيه تفتح، والكريم الرحيم يمنح، وابواب النار تغلّٓق، والشياطين تصفّٓد، فبعدا لمن أدرك ذلك ثم فرّٓط.
 
3- حقيقة الصيام امتناع الجوارح عما حرم الله عز وجل، ومن لم يمنعها عن ذلك؛ نقص أجره بحسب ما تقترف، وقد يذهب أجره وليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) [صحيح البخاري].
 
4- جاء النهي من الشارع الحكيم عن تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين احتياطا له كما في الصحيح، إلا لمن كان له عادة صيام كالاثنين والخميس وصوم يوم وترك يوم.
 
5- صيام اليوم الذي يشك فيه وهو يوم الثلاثين من شعبان احتياطا لرمضان معصية للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه قد علق الصيام على الرؤية للهلال، فإن رآه الناس صاموا وإن لم يروه أكملوا عدة شعبان ثلاثين كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، ولا يجوز الاعتماد على الحساب الفلكي، وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاواه والقرطبي في تفسيره الإجماع على عدم اعتبار الحساب الفلكي في دخول الشهر وخروجه .
وقد دلت السنة وعمل الصحابة -رضي الله عنهم- على أن لكل بلد رؤيتهم، فيتبعون إمامهم في دخول الصوم وخروجه على الصحيح. 
 
6- يجب على المسلم أن يبيت نية الصيام من الليل، ويكفي أن ينوي من أول الشهر صيام رمضان كاملاً، ويجدد النية إن أفطر لعذر سفر أو مرض أو نحوه خلال الشهر، وإن نوى لكل يوم نية فهو أفضل، والنية محلها القلب وهي عزمه على الصيام، ولا يجوز التلفظ بها وذلك بدعة.
 
7- يبدأ الصيام من طلوع الفجر الثاني (الصادق) وهو البياض المعترض في الأفق، وينتهي بغروب الشمس (وذلك بسقوط قرصها وغيابه). والسنة تأخير السحور وتعجيل الفطر؛ وذلك علامة الخيرية، ومخالفة لأهل الكفر والضلالة من اليهود والنصارى والرافضة وغيرهم.
8- مفسدات الصيام ستة:
-الجماع
-والأكل والشرب وما يكون بمعناهما كالإبر المغذية،
-وإنزال المني بشهوة
-والقيء عمدا
-وخروج دم الحيض والنفاس. 
-والحجامة عند بعض أهل العلم.
 
وهذه المفسدات لا تبطل الصيام إلا بثلاثة شروط: العلم (بالحكم الشرعي والوقت). والذكر (فالناسي لا شيء عليه). والقصد (وهو أن يكون مختارا لفعل هذا المفطر، فإن كان غير مختار كالمكره؛ صح صومه)
9- الكحل، والبخور (من غير استنشاق لدخانه)، وشم الطيب، وقطرة العين والأنف، والسواك، وفرشاة الأسنان والمعجون (مع التحرز من وصوله للحلق)، وأخذ عينة من الدم للتحليل، والتحاميل، وبخاخ الربو، والمراهم، والزيوت، وتذوق الأكل في اللسان ثم إخراجه، والإبر غير المغذية التي تحقن في الوريد والعضل والورك، والمضمضة والاستنشاق من غير مبالغة، وخروج الدم من الصائم كالرعاف أو من جسمه كل هذه لا تفسد الصيام.
 
10- لا يتبرع بالدم أثناء الصيام فقد ألحقه العلماء بالحجامة وهي عند كثير منهم من مفسدات الصيام. 
 
11- أخي المسلم: أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة، وهي العهد الذي بيننا وبين الكفار، وبين الرجل والشرك كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك الصلاة، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم يلقى ربه، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن كان غير ذلك أعاذنا الله وإياك فقد خاب وخسر، فما فائدة الصيام لمن ضيع الصلاة إلا الجوع والعطش؟!، وماذا جنى من صيامه من يسهر ليله حتى قبيل الفجر ثم ينام عن الصلاة؟!، وأين التقوى المرجوة من الصيام لمن جعل ليله سهرا في المقاهي والملاهي والناس في القيام.
فاحرص -يا رعاك الله- على الصلاة في بيوت الله في رمضان وغير رمضان فهي عمود الدين، وهي وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- للأمة قبل موته.
 
12- احرص وفقك الله على حفظ صيامك مما يخدشه ويذهب أجره بحفظ جوارحك واحذر ما أعد شياطين الأنس والجن لإفساد صومك وتضييع أوقاتك فيما يضرك من الأفلام والمسلسلات والبرامج والمسابقات، والزم طاعة الله "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا".
هذا بعض ما يتعلق بالصيام، وعلى المسلم أن يتعلم أحكام صيامه؛ حتى يكون صحيحا مقبولا. 
وفق الله الجميع لما فيه الخير، وبلغنا شهر رمضان ونحن في صحة وعافية وأمن وإيمان وجميع المسلمين.
 
كتبه: أبو عبد الله أحمد بن محمد عسكر
23/شعبان/1435هـ
 
تحميل الملف المرفق: