المسجد الأقصى بين صيحات الوهم ونداء المصلحين - للشيخ د. صلاح الخلاقي

المسجد الأقصى بين صيحات الوهم ونداء المصلحين

 

 

المسجد الأقصى يحتل مكانة علية في قلب كل مسلم؛ لأنه موضع شرفه الله تبارك وتعالى، فهو ثاني مسجد وضع في الأرض، وأولى القبلتين، وأحد المساجد الثلاثة التي تضاعف فيها الصلاة، ولا تشد الرحال بنية التعبد إلا إليها، مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنه معراجه، مسجد مبارك بُني في أرضٍ مباركة: أرض المحشر والمنشر.


وما يعيشه المسجد الأقصى من احتلال صهيوني، واستيطانٍ يهودي متمثلٍ: بحملات وحشية شرسة على الأبرياء، وقتلٍ وإيذاء، وتعطيل لشعائر الدين، وتضييق على المصلين، دون مراعاة لحقوق إنسانية، ولا أنظمةٍ دولية، كل هذا ليس بمستغرب من قومٍ امتلأت قلوبهم غلاً وحقداً على أمة الإسلام، وخالط بشاشة نفوسهم الولع في إفساد الأديان، وإضعاف الأبدان، وتخريب الأوطان، ليس بمستغرب من أمةٍ غَضِب الله عليهم؛ لإعراضهم عن الحق مع علمهم به، ليس بمستغرب من قتلة الأنبياء، مثيري الفتن والشر البلاء، أهل الغدر والخيانة والمخادعة والإيذاء.


إنما الغريب هو السبات العميق، والتعلق الموهوم بغير الله تعالى: في استعادة هذه البقعة المباركة من قِبل كثير من أهل الإسلام، فتجد بعض الناس يعلقون آمالهم بالثورات الخمينية التي تلهج ألسنتهم بـ(الموت لأمريكا .. الموت لإسرائيل)، وسيوفهم تطعن في خواصر المسلمين.


وتجد بعضهم علقوا أمنياتهم على دعاة التكفير والتدمير، الذين يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان بدعوى أن طريق القدس يمر بتدمير الحرمين.
وبعضهم تعلق بشعارات بعض الأحزاب السياسية التي تتكسب من وراء القضية الفسطينية، ولم يجن المسلمون منهم سوى الدمار الشامل والشر المستطير.
والبعض الآخر تعلقت نفوسهم بتدخلات الدول التي زرعت النبتة اليهودية في أرض فلسطين، طامعين بكرم معونتهم، على ما أثبتته الوقائع من دسائسهم لبلدان المسلمين وسعيهم في ضعضعة أمنه واستقراره.


فأين هؤلاء من حقيقة التوحيد التي هي تعلق الخلق بالخالق، ألم يأنِ لهم أن يدركوا أن النصر من عند الله؟ هو المعز المذل، يخفض ويرفع، ويعطي ويمنع، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، ألم يأتهم نبأ الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد؟ ألم يدركوا كيف صب الله عليهم العذاب؟ إن توحيد الله ليس كلمة تقال، ولا حروف تكتب، ولكنها يقين وقر في القلب وصدقته الأعمال، فمتى تعلقت القلوب بخالقها، وتمسكت بسنة نبيها، مكَّن الله لها في الأرض، ولينصرن الله من ينصره، إن الله عزيز ذو انتقام.


إن الغربة الحقيقة تكمن في الجهل بأسباب تسلط اليهود، وحلول الذل والهوان على أمة الإسلام، حتى ظن بعض الناس أن السبب الرئيس: جور حكام المسلمين، فزين لهم الشيطان ذلك، حتى دعوا للخروج عليهم، ونادوا بالمظاهرات، فانشغلوا بالثورات، وحرموا الأمن والاستقرار في بلدانهم فأنى لمثل هؤلاء تحرير الأرض المقدسة؟!


أين هؤلاء من وحدة الجماعة والقيادة؟ ألم يدركوا أن الفساد الذي جنوه من تلك الثورات في بلدانهم أضعاف أضعاف ما يقوم به اليهود من إفساد؟ ألم يستوعبوا أنهم اختصروا على الأعداء مفاوز من الخطط الإجرامية للنيل من بلدان المسلمين؟ أنصرة القدس تحصل بإضعاف شوكة المسلمين؟


والمقصود أن من أعظم أسباب تسلط اليهود هو: بعد المسلمين عن دينهم، وولعهم بما عند الغرب من حريات مزعومة، فلا تمسكوا بدينهم، ولا ملكوا دنيا غيرهم، ولذا فقد آن الأوان للرجوع إلى الله حقاً وحقيقة، وتوحيد اللجوء إليه، وجمع كلمة المسلمين على ذلك، وفق قيادة ولاة أمورهم، وأن يهتم كل مسلم بما أوجب الله عليه، فالساسة لهم القرار السياسي، وفق حكم الله وشرعه، ولهم منا الدعاء والنصح والمساندة، والعلماء وطلبة العلم يجب عليهم تصفية عقائد الناس من الشركيات والبدع والمحدثات، وإرشادهم إلى الإسلام النقي من شوائب الضلالات، (فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله).

 

كتبه
 د. صلاح بن محمد الخلاقي
21/3/1439هـــ 9/12/2017م