الروافض، والخوارج .. وجهان لعملة الاضطراب، والفساد - للشيخ د. صلاح الخلاقي

                                                                بسم الله الرحمن الرحيم

                   (الروافض والخوارج وجهان لعملة الاضطراب والفساد)

إن الجهل بمسائل الاعتقاد، أوقع كثيراً من الناس في شباك بعض الفرق المنحرفة، وإن من أكـثـر الفرق تأثيـراً على الواقـع سلباً، الروافض والخوارج؛ فالمتأمل في تاريخ الروافض والخوارج يجد أن هاتين الفرقتين أكثر الفرق غلواً في التكفير، وأشنعهم دموية في الثأر، وأكثرهم همجية في الانتقام، وقد كشفت الأيام القريبة اللثام لكثير من العوام حقيقة ذلك، وإن كان هذا الأمر معلوما لكل مطلع على تاريخهم.

وأوجة الاتفاق بين هاتين الفرقتين كثيرة لمن كان له اطلاع في علم الفرق، ولكن هناك علامتان بارزتان لهما واضحة لكل ناظر:

* الأولى: اتباع المتشابه من القرآن فإن ذلك دثار كل من الفرقتين، وقد قال الله "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه".

* الثانية: الموقف من الحكام شعار كل من الفرقتين، فإن الرافضة يقولون كل راية قبل المهدي فهي راية طاغية وحكم طاغوت، وكذا الحال عند الخوارج في تكفيرهم للحكام والولاة.

والمقصود في هذه العجالة التحذير والتنفير من مسلك هاتين الفرقتين لا مساواتهما في الضلال والانحراف، فمسلك الروافض الغالية لا يشك عاقل في تكفيرهم بسببه، وأما مسلك الخوارج فاختلاف أهل العلم فيهم معلوم، وكل هذا من باب عدل أهل السنة وإنصافهم مع مخالفيهم، وقد ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- في شرحه حديث: (إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي) أن كل من الفرقتين -الرافضة والخوارج- انتحلت إحدى الثقلين، ثم قال لكن القرآن أعظم؛ فلهذا كانت الخوارج أقل ضلالاً من الرافضة.

وقال أبو محمد ابن حزم -رحمه الله-: (واعلموا رحمكم الله أن جميع فرق الضلالة لم يجر الله على أيديهم خيرا، ولا فتح بهم من بلاد الكفر قرية، ولا رفع للإسلام راية، وما زالوا يسعون في قلب نظام المسلمين، ويفرقون كلمة المؤمنين، ويسلون السيف على أهل الدين، ويسعون في الأرض مفسدين، أما الخوارج والشيعة فأمرهم في هذا أشهر من أن يتكلف ذكره) [الفصل:5/98].

إذا تقرر ما سبق؛ فينبغي أن يُعلم أن مسلك كل من الفرقتين تجاه الحكام لم يجن سوى الفساد العريض للبلاد والعباد، بل آل إلى استحلال الدماء المعصومة والأعراض المحرمة، فلا تمسكوا بدين ولا ملكوا دنيا. وكل هذا بسبب الخوض في هذا الباب بغير علم أو بعاطفة متهورة تجنح إلى رغبة الناس وأهوائهم، وكل من جعل فتواه خاضعة لرغبات الناس وشهواتهم لابد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه؛ لأن غالب أحكام الرب تخالف أهواء الناس كما قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-. 

والمتضرر الأول والأخير هم العوام المتبعين للهف كل ناعق، ولهذا يلمس الجميع أنه بعد انكشاف الفتنة أن كلاً من المهيجين للفتنة على الحكام هم المقربون والمتمسكون بأبواب السلطان؛ لـِما أُعطوه من النوال ولكثرة مَن يصطاد بسببه من العوام "وكذلك فتنا بعضهم ببعض".

ولنسأل التاريخ عما جنته هاتان الطائفتان من الفساد العريض، والدمار الشامل للبلاد والعباد، ولاشك أن في ذلك تذكيرا بتلك الجراح التي لا يمكن أن تندمل، وبتلك النكبات التي ذهب ضحيتها كثير من الأبرياء.

فسل الرافضة عن خيانة الوزير الرافضي علي بن يقطين في عهد هارون الرشيد، وما جناه من هدم سقف الحبس الذي مات على إثره قرابة الخمسمائة رجل.

وسل حرم الله وما جناه عليه الروافض الباطنية والقرامطة، وكيف استحلوا حرمته، وسفكوا دماء الحجاج واستباحوا نساءهم، وسرقوا الحجر الأسود الذي مكث عندهم من قرابة (317هـ) إلى (335هــ)، ولا زال الحرم يتعرض لأنواع من الانتهاكات إلى وقتنا الحاضر من قِبل هؤلاء الرافضة الأنجاس الأرجاس وما حادثة (1407هـ)ـ عنا ببعيد.

وسل بيت المقدس كيف استلمه الفرنج في سنة (492هـ)، وكانوا في نحو ألف ألف مقاتل؛ وقتلوا في وسطه أزيد من ستين ألف قتيل من المسلمين، وجاسوا خلال الديار؛ وعلوا ما علوا تتبيرًا، وكل ذلك بمعونة الروافض الباطنية، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وسل بغداد كيف احمرت أنهارها بدماء فلذات أكبادها؛ بسبب الروافض وتعاونهم مع أهل الكفر والإلحاد، فسقوط الخلافة العباسية بمعونة وزير التتر نصير الدين الطوسي، وخيانة وزير المستعصم بالله ابن العلقمي الرافضي، الذي فتح الباب لدى هولاكوا فكان ما سطره التاريخ من فواج يندى الجبين لذكرها..

وسل البصرة عن المذابح التي أصابتهم سنة (293هـ)ـ، وما حصل من اعتراض قافلة الحجاج وقتل الرجال وسبي النساء في (294هـــ)، وما زالت البصرة وما جاورها تتعرض لأنواع من الفساد وخصوصاً مذ دخول الأمريكان على ظهور الروافض إلى بلاد الرافدين.

وسل مصر والمغرب عما جناه عبد الله بن ميمون القداح، داعية التشيع والرفض مؤسس دولة الفاطميين، هو ومن جاء بعده من حكام الدولة الفاطمية من الطغيان والفساد العريض –في الدين والدنيا- مما لا يكاد يوصف.

ولا تزال تلك النكبات والأزمات المتتابعة والمتلاحقة على الإسلام والمسلمين تتعاقب إلى وقتنا الحاضر، فما جنته ثورة الخميني من ويلات وما زال العالم الإسلامي يتفيء ظلام ما أججته من نيران، وواقع البحرين واليمن ولبنان والعراق وسوريا خير شاهد على ذلك ..

والمقصود أن كل تلك الويلات والنكبات والأزمات، لحقت بالإسلام والمسلمين تحت عباءة التشع والانتصار لآل البيت، وإزالة كل راية سبقت ظهور المهدي؛ إذ هي راية طاغية متقدمة على حكم آل البيت.

وهذا المرض العضال الذي ابتليت به الأمة من قبل هذه الفئة الضالة الظالمة، له شبه من فئة أخرى من الفئات المنتسبة للإسلام وهو مرض الخوارج الذين أهلكوا الحرث والنسل في سبيل الخروج على السلاطين، والولع بالسياسة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر –زعموا-، والحقيقة أنه لا تكاد تعرف حركة من الحركات ولا ثورة من الثورات إلا وحصل بها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أُريد بالخروج إزالته. قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: (ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتاله بالسيف وإن كان فيهم ظلم: كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -; لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال، ولا فتنة، فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان، إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته، والله تعالى لم يأمر بقتال كل ظالم وكل باغ كيفما كان، ولا أمر بقتال الباغين ابتداء، بل قال: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل" [سورة الحجرات: 9] فلم يأمر بقتال الباغية، ابتداء، فكيف يأمر بقتال ولاة الأمر ابتداء؟) [منهاج السنة: (3/391)].

ولك أن تسأل التاريخ عما جنته حركات الخوارج من ويلات، وما ارتكبته من مجازر بسبب تلك الثورات، وكم نزفت بسببهم من دماء، وقطعت من أشلاء، فمنشأهم الأول في حروراء، وهكذا استمر بسببهم البلاء، إلى وقتنا الحاضر (كلما ظهر منهم قرن قطع) فلا دنيا ملكوا، ولا دينا أبقوا.

ولا حاجة لشرح ويلاتهم وجرائمهم التي ارتكبوها في حق الإسلام والمسلمين، فيكفي أنهم اجتمعوا مع الروافض في الفساد، وإن تنوعت بهم طرق الوصول إليه؛ ويكفي اللبيب الوقوف مع أول نكبة حصلت في تاريخ المسلمين: وهي مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، فمن كان ورائها؟ ومن أجج نيرانها؟؟

لاشك أن لمؤسسي هاتين الفرقتين النصيب الأوفر من إشعال الفتنة، وتفريق كلمة المسلمين، وارتكاب الجرائم والويلات، كل ذلك بشعارات براقة، وعبارات مزخرفة، ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب.

                             فيا شديد الطول والإنعام                إليك نشكو محنة الإسلام

وختاماً .. لن يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وعليه فيجب اجتناب جميع الدعوات المضلله، والحذر من الأفكار الضالة، التي تهلك الحرث والنسل، وتنشر الفساد في البلاد والعباد، تحت شعارات زائفة، ودعايات مضللة الغرض منها تهييج العوام، وجلب الفتن والأزمات إليهم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

                                  كتبه: أبو محمد صلاح محمد موسى الخلاقي

                                                   6/4/1432هـــ