مقال: أحِب الحميد .. يا د. عبد الحميد (نصيحة وعتاب.. لجريدة الأيام) - للشيخ د. صلاح الخلاقي

بسم الله الرحمن الرحيم

أحِب الحميد .. يا د. عبد الحميد (نصيحة وعتاب .. لجريدة الأيام)

إلى الإخوة القائمين على جريدة الأيام وفقهم الله، فقد ساءني ما تم نشره في جريدتكم الصادرة السبت 15 محرم 1436هـ الموافق 8 نوفمبر 2014، العدد 9343، من مقال للدكتور القطري عبد الحميد الأنصاري؛ فقد أساء في تصوير بعض القضايا الشرعية التي هي في الحقيقة تنقص من الإسلام وشعائره وشرائعه، والعجب كل العجب من هذا الكاتب كيف يدعو إلى عدم زرع الكراهية، وقد نَصَب جملة من التساؤلات السخيفة التي تحمل في طياتها بغض الإسلام وشعائره؟!!

عجباً.. كيف يستنكر بغض أعداء الله ودينه وشرعه؟! وكيف يستنكر بغض من ادِّعوا أن الله ثالث ثلاثة؟! وكيف يستنكر كره من وصفوا الله بالتعب والفقر والعجز؟! كيف يستنكر كره من تنقصوا أنبيائه وحاربوا أوليائه؟! وبالمقابل كيف عَظمت محبته لــ(أديسون) و(ويليس كارتير) وغيرهم!!

تغافل هذا الدكتور أن كل حي له إرادة وعمل بحسبه، وكل عامل فأصل حركته المحبة والإرادة، والحب أصل لكل عمل حقاً كان أو باطلاً، فما نشاهده من ولع بالغرب ابتلاه الله به هو بسبب: مجالسة أو مؤانسة أو سفر إليهم، كل ذلك أصله المحبة –شعر أم لم يشعر-، ثم يبقى التفريق بين المحبة الطبيعية التي جبل عليها البشر، وبين المحبة الدينية والتي هي مناط التكليف، وقوة المحبة يتفاوت الناس فيها تفاوتاً عظيماً، بل يتفاوت الشخص الواحد في محبة الشيء الواحد؛ بحيث يقوى الحب تارة ويضعف أخرى وهكذا، وبضعف الحب يحل محله البغض والكره ولابد وهكذا.

فما أحوج الطفل إلى أن تغرس شجرة الإيمان: محبة الله ورسوله ودينه في قلبه، وتسقى بماء الإخلاص ومتابعة المعصوم صلى الله عليه وسلم، حتى نرى منه الثمار اليانعة التي تؤتي أكلها بإذن ربها؛ بخدمة دينه ووطنه وشعبه، دون الجنوح إلى الإفراط ولا إلى التفريط، ولا إلى الغلو ولا إلى الجفاء، فلا سبيل إلى إعداد جيل صالح للناشئة إلا على وفق الهدي النبوي الذي ربى عليه النبي صلى الله عليه وسلم صحابته، فمثل هذه المناهج التي حكاها حري أن يحتذى حذوها.

للأسف الشديد أن بغض عبد الحميد، وكرهه لبلاد التوحيد، جعله يتهجم على مسلمات في الشريعة والدين، وليته عبر عن كراهته دون أن يتكلم بما لا يحسنه، وليس هذا بغريب عنه فإنه قد بلغني عنه ما يضحك الثكالى: ففي سنة 1998م طالب أمريكا بمراقبة موسم الحج بطائرات أواكس.

نعم .. لقد لاحظ الدكتور كما لاحظ قبله العلماء الربانيون، وجود الخلل في مفهوم بعض المصطلحات الشرعية والتي حصلت من كثير ممن ينتسب للإسلام، ومنهم من رفع راية التكفير والخروج على الحكام شعاراً له، ومنهم من لم يسلم منهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بمن دونهم، إلا أن هذا الكاتب حاله كمن أراد أن يطهر النجاسة بدم الحيض؛ فأساء لنفسه وللبقعة التي أراد أن يطهرها، ولو أنه فعل ما فعله العلماء من تطهير التطرف بماء الكتاب والسنة لنجا وأحسن.

فنصيحتي للدكتور أن لا يتقدم بين يدي أهل العلم، ثم أوصيه بما وصى به عيسى بن مريم عليه السلام -إن صح-؛ لعله يقبله لكونه من الإسرائيليات: (يا معشر الحواريين تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي، وتقربوا إليه بالمقت لهم، والتمسوا رضاه بسخطهم)، قالوا: يا نبي الله فمن نجالس؟!؛ قال: (جالسوا من يزيد في أعمالكم منطقه، ومن تذكركم بالله رؤيته، ويزهدكم في دنياكم عمله).

وعلاقة الحب والبغض بالمصطلحات التي أشار إليها من: (صور البراءة من المشركين)، وعقيدة (الولاء والبراء)، ومفهوم (الجهاد)، ومفهوم (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وطيدة، ولن أتحدث عنها؛ لأن الكلام في هذه المواضيع يحتاج إلى تفصيل مستقل، وبسط يزيل الإلباس الذي وقع فيه هو وغيره ممن عناهم من المتطرفين، ولا يتسع المقام لذلك، لكن ينبغي أن أُلفت النظر إلى أن المتطرفين الذين يعنيهم ممن خالف منهج السلف الصالح في القضايا التي طرحها، إنما خرجوا ردة فعل لمنهج الدكتور عبد الحميد ومن سار على شاكلته؛ فإن لكل فعل ردة فعل؛ مساوٍ له القوة معاكس له في الاتجاه –كما يقال في الفيزياء-؛ فدعواتك المضللة لحب الغرب والتبجح بهم، والنيل من تعاليم الإسلام، والدعوة إلى بغض شعائر الإسلام وعلماء الإسلام؛ بطرق وأساليب يتنزه عن فعلها العقلاء فضلاً عن المثقفين، هي التي ولدت الغيرة غير المنضبطة بضوابط الشريعة من البعض لا كثرهم الله.

وختاماً: أكرر رجائي للجريدة بأن تنزه طرحها لمثل هؤلاء المفتونين بالغرب المتهجمين على الشريعة والتوحيد، وبهذا القدر كفاية، وإلى لقاء متجدد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

                          

كتبه أبو محمد صلاح الخلاقي

    17/محرم/1435هـــ الموافق 10/11/2014م