عش رجباً تر عجباً - للشيخ د. صلاح الخلاقي

بسم الله الرحمن الرحيم


(عش رجباً تر عجباً)


مثل ضربه العرب في تحول الدهر وتقلبه، وإتيان كل يوم بما يُتعجب منه، وقد ذُكر أن أول من قال ذلك الحارث بن عباد بن ضُبيعة بن قيس بن ثعلبة، وكان طلَّق بعض نسائه من بعد ما أسنَّ، فخلف عليها من بعده رجل، فكانت تُظهر له من الوَجْد به ما لم تكن تُظهر للحارث، فلقي زوجها الحارث فأخبره بمنزلته منها، فقال له الحارث: عِش رجباً ترَ عجباً فجرت مجرى المثل.


وقد كثرت العجائب في هذا الزمان، ومن العجب في شهر رجب أنه صار مرتعاً للمخالفات والبدع والمحدثات، مع أنه لم تثبت له فضيلة عن بقية الشهور سوى أنه من الأشهر الحرم كما في الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه، وقد أكد الله تبارك وتعالى على تحريم ظلم النفس في الأشهر الحُرم، وأعظم ظلم يقع فيه العبد هو ما يفسد القلوب من الشركيات والبدع التي يُتقرب بها في مثل هذا الموسم: بتخصيص بعض أيامه بالصيام أو لياليه بالقيام، أو العمرة الرجبية، أو بالذبائح التي تسمى العتيرة، أو غير ذلك من العبادات التي لم تثبت بدليل صالح للاحتجاج.
والأعجب من ذلك ما زينه الشيطان للبعض من الاحتفال ببعض ليالي رجب كالاحتفال والتهنئة بأول لياليه، أو بليلة أول جمعة منه، أو بما يوافق بعض الموالد كما يزعمون، أو بليلة الإسراء والمعراج، وكل هذه الاحتفالات لم تثبت بدليل معتبر، وقد قال صلى الله عليه وسلم:
(من أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد)، أي مردود على صاحبه كائناً من كان.


ومن العجائب في شهر رجب كثرة الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضائله، وقد أدرك العلماء خطورتها فجمعوها؛ لبيان وضعها وتنفيراً وتحذيراً من الاستشهاد بها، وممن اعتنى بهذا الجانب ابن دحية الكلبي في (أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب)، وابن حجر في (تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب)، ومع ذلك تجد بعض الجهال ينشرون تلك الأحاديث دون نظر في حالها،


فليت شعري من أباح ذلك *** وأورط الأمة في المهالك

فيا شديد الطول والإنعام **** إليك نشكو محنة الإسلام

        
كتبه   د. صلاح محمد موسى الخلاقي
    1/رجب/1437هــ