رمضان والرياء - للشيخ محمد كليب

رمضـــــــانُ والريــــــــــاء

 

أقبل رمضانُ، وحل موسم الخيراتِ، ونزلتِ الرحماتُ، ورجع الناس لرب الأرض والسماواتِ: صلاةً وصياماً ودعاءً وتلاوة للقرآن، ووجبَ على العبد أن يُخلص للواحد الأحد، المنزهِ عن الصاحبةِ والولد، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} ([1]) ، وقال: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ{ ([2]).

       أيها المسلم المبارك: اعلم أنه ليس لك من العمل إلا ما أخلصتَه لله، فلا ينفعك الرياءُ، ولن تغنيَ عنك السمعةُ؛ فإن ثـمة أناساً شغلوا أنفسهم -وبخاصة في هذا الشهر المبارك- بالتفاخر والتباهي ومراءاةِ الآخرين بما يقومون به من عمل صالح، فترى أحدَهم يتباهى بصلاتهِ وصومه، وآخرَ بجمال صوته وتلاوته، وآخرَ بصدقته وزكاته، وثالثاً بكرمه وجوده، ورابعاً بإحسانه إلى أبيه وأمه..؛ طلباً لرضا الناس ونيل الثناء منهم، فليعلم مثل هؤلاء أن "مَن سمَّع سمَّع الله به، ومن راءى راءى الله به" ([3])، وأنَّ الرياء دأب أهل النفاق، قال تعالى: {يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا}([4])، وخطر الرياء عظيمٌ خافه النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته أكثر من خوفه عليهم من الدجال -أعاذنا الله وإياكم من شره-، فقال : "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالو: بلى. قال: الشرك الخفي"([5])، يعني الرياء، والله غني عمن كانتْ هذه حالُه، ففي الحديث القدسي قال الله تعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمِل عملا أشرك فيه معي غيري تركته و شركه([6])".

 

     اتق الله يا من صوبتَ نظرك وقصدك نحو الخلق طالباً رضاهم، راجياً ما عندهم، غافلاً عن ربهم وملكهم وخالقهم ورازقهم الذي لا يمنع العطاء، ولا يغلق دونك الأبواب، وتذكر يوم يجمع الله الأولين والآخرين أين أنت حينئذ؟! قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا جمع الله الأولينَ و الآخرين ليوم لا ريبَ فيه نادى منادٍ: من كان أشركَ في عمل عمِله لله أحداً فليطلب ثوابه من عنده؛ فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك"([7]).

    راقب أعمالك أيها العبد، واحفظ حسناتك ليوم قد لا يكون لك فيه حظ ولا نصيب، قال صلى الله عليه وسلم: "فمَن عمِل منهم عملَ الآخرةِ للدنيا لم يكن له في الآخرةِ من نصيب ([8])(، وما من هزيـمة نزلتْ بنا: من أنفسنا أولاً، ومن العدو ثانياً، إلا وكان الرياء سبباً من أسبابها، قال صلى الله عليه وسلم: "إنام ينصرُ اللهُ هذه الأمةِ بضعيفها: بدعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم"[9].

       فلنصححِ النوايا، ولننظفِ القلوبَ من آثار الخطايا؛ كي ننعمَ بهناء العيش، وحُسن المستقر، ونُفلح ونفوز بجنةٍ عرضها السماوات والأرض، وأما مَن كانَ مريداً للدنيا فليأخذها بخطامها، قال تعالى: {منْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}([10])، ووعد النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "من كانت الآخرة همه؛ جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، و من كانت الدنيا همه؛ جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له"([11])، فاللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، واجعل الآخرةَ هي قصدنا ومرادنا، والحمد لله رب العالمين.

 

 


 

([1]) سورة البينة: الآية 5.

([2]) الزمر: آية 2.

([3]) رواه مسلم.

([4]) سورة النساء: آية 142.

([5]) رواه ابن ماجه، قال الألباني: حسن.

([6]) رواه مسلم.

[7])) رواه أحمد، والترمذي. قال الألباني: حسن.

([8]) رواه أحمد وابن حبان في صحيحه، قال الألباني: صحيح.

([9]) رواه النسائي، قال الألباني: صحيح.

([10]) الشورى: آية 20.

([11]) رواه الترمذي، وقال الألباني: صحيح.

تحميل الملف المرفق: