رمضان والإسراف بالمال والوقت - للشيخ محمد كليب

رمضــــانُ والإسراف بالمال والوقت

 

 نعمتا الوقتِ والـمالِ نعمتان عظيمتان شريفتان، عليهما مدارُ الحياة، حذَّر اللهُ ورسولُه -صلى الله عليه وسلم- من الإسرافِ فيهما، ومن التهاونِ بـهما، وأخبرَ صلى الله عليه وسلم أنهُ لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عنهما، وجاءَ الوعيدُ الشديدُ لـمن فرَّطَ وأضاعَ شُكرَهما، لكنَّ الكثيرَ منَّا اليوم لم يعرفْ لهاتين النعمتين قدرَهما؛ يقابلهما بالتبذير والإسراف والإِهانة، بل والطامَّةُ الكبرى أنَّ أكثرَ ما يقعُ ذلك في شهرِ رمضان، شهرِ القرآن، وعبادةِ الرحمن، شهرِ الحسنات ومحو السيئات؛ يتفاخرُ بعضُنا على بعضٍ في إضاعة وقته وماله، وما علِمْنا أننا بين يدي ربنا غداً مسؤولون، فماذا سيكونُ جوابنا؟!

   يا مَن أضعتَ مالَكَ في رمضان أو في غيره، فشريتَ أصنافَ المأكولاتِ والمشروباتِ الزائدة عن حاجتِك، ثم كان مصيرُ جزءٍ كبيرٍ منها إلى المزابل، أما تخشى ربك؟! أما علمتَ أن هذا الفعل يُغضِب الرحمن -جل وعلا-؟!، أما بلغكَ أنَّ اللهَ لا يُحبُّ من كان الإسرافُ صفة له؟! قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}([1])، أتريدُ أن تكونَ أخاً للشيطان وعوناً له؟!  {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}[2] ، تدبَّر قولَ اللهِ تعالى: }ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ[3]{ قال الزبير بن العوام -رضي الله عنه-: يا رسول الله! فأيّ النعيم نسألُ عنه، وإنما هما الأسودان: التمر، والماء؟! قال: "أما إنه سيكُون"([4])..!

   ويا مَن تتفاخرُ بـهدرِ وقتِك في اللعب واللهو والسَّهَر أمام الشاشات في متابعةِ الأفلام والمسلسلات التي لا تُجدي نفعاً ولا تُكْسِب أجراً ! اعلم أنَّ رمضان لم يُشرع لمثل هذا، فدعْ عنك هذه الـمُلهيات، وأشغِل وقتك بطاعة ربك وعبادتهِ قبل الـممات، أشغل وقتك بقراءةِ القرآنِ والصلاةِ والاستغفارِ وعملِ الخيرات، فرمضانُ شهرٌ مبارك، وكلُّ لحظةٍ تفوتك منه ربـما ندمتَ بسببها العُمر، فهو فرصةٌ وفقك اللهُ لها، واختارك لتكونَ من أهلها، فكم من أُناسٍ حُرموها، فأحسنِ العمل، ولا تفوّت على نفسِك الخير، فربـما لا يعود إليك؛ لأن العُمر قصير، والأيام دول يقلبها الله كيف يشاء، فأنت اليوم على أحسن حال، وغداً لا تدري ما حالك، فاغنم الفرصة ما دمتُ حياً معافى آمناً، وسخّر وقتك فيما يُرضي الله سبحانه، واعلم أنَّ الوقتَ أَنفسَ ما عُنيتَ بحفظِهِ، وخيرُ ما حُفِظتْ به الأوقات طاعةُ ربّ الأرضِ والسماوات، فحذارِ ثم حذارِ أن تكون -أخي المبارك- مـمن يُسرفُ في وقته وماله، وحافظ على نعم الله عليك، وكُن شاكراً له عبادةً وثناء؛ فإن الشكر حارس النعم ومُنمّيها، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} ([5].

 

 


 

([1]) سورة الأعراف: آية 31.

([2]) سورة الإسراء: آية 27.

([3]) سورة التكاثر: آية 8.

[4])) رواه الترمذي وابن ماجه، وقال الألباني: حسن.

[5])) سورة إبراهيم: الآية 7.