جزيرة العرب بين سندان داعش ومطرقة الحوثيين - للشيخ د. صلاح الخلاقي

(جزيرة العرب: بين سندان داعش، ومطرقة الحوثيين)

بقلم د. صلاح محمد موسى الخلاقي


          إن من أكـثـر الفرق والجماعات تأثيـراً على الواقـع سلباً في الوقت الحاضر، فكر الحوثيين والدواعش؛ وفكرهم ليس بغريب لمن تأمل تاريخهم الأسود على مر التاريخ؛ فهاتان الفرقتان أكثر الفرق غلواً في التكفير، وأشنعهم دموية في الثأر، وأكثرهم همجية في الانتقام، وقد كشفت الأيام القريبة اللثام لكثير من العوام حقيقة ذلك، وما خفي عنهم أعظم، نسأل الله اللطف والسلامة.

       وأوجة الاتفاق بين هاتين الفرقتين كثيرة لمن كان له اطلاع في علم الفرق، ولكن هناك علامتان بارزتان لهما واضحة لكل ناظر:

* الأولى: اتباع المتشابه من القرآن فإن ذلك دثار كل من الفرقتين، وقد قال الله تعالى: "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه".

* الثانية: الموقف من الحكام شعار كل من الفرقتين، فإن الحوثيين والصفويين يعدون كل راية قبل المهدي راية طاغية وحكم طاغوت، وكذا الحال عند الخوارج والدواعش في تكفيرهم للحكام والولاة.

     وقد ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- في شرحه حديث: ((إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي)) أن كل من الفرقتين -أي: الرافضة والخوارج- انتحلت إحدى الثقلين، ثم قال لكن القرآن أعظم؛ فلهذا كانت الخوارج أقل ضلالاً من الرافضة.

           وقال أبو محمد ابن حزم -رحمه الله-: (واعلموا رحمكم الله أن جميع فرق الضلالة لم يجر الله على أيديهم خيرا، ولا فتح بهم من بلاد الكفر قرية، ولا رفع للإسلام راية، وما زالوا يسعون في قلب نظام المسلمين، ويفرقون كلمة المؤمنين، ويسلون السيف على أهل الدين، ويسعون في الأرض مفسدين، أما الخوارج والشيعة فأمرهم في هذا أشهر من أن يتكلف ذكره) [الفصل (5/98)].

           إذا تقرر ما سبق فينبغي أن يُعلم أن مسلك كل من الفرقتين تجاه الحكام لم يجن سوى الفساد العريض للبلاد والعباد، بل آل إلى استحلال الدماء المعصومة والأعراض المحرمة، فلا تمسكوا بدين ولا ملكوا دنيا. وكل هذا بسبب الخوض في هذا الباب بغير علم أو بعاطفة متهورة تجنح إلى رغبة الناس وأهوائهم، وكل من جعل فتواه خاضعة لرغبات الناس وشهواتهم لابد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه؛ لأن غالب أحكام الرب تخالف أهواء الناس كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله. 

        والمتضرر الأول والأخير هم العوام المتبعين للهف كل ناعق، ولهذا يلمس الجميع أنه بعد انكشاف الفتنة أن كلاً من المهيجين للفتنة على الحكام هم المقربون والمتمسكون بأبواب السلطان؛ لـِما أُعطوه من النوال ولكثرة مَن يصطاد بسببه من العوام "وكذلك فتنا بعضهم ببعض".

        ولنسأل التاريخ عما جنته هاتان الطائفتان من الفساد العريض، والدمار الشامل للبلاد والعباد، ولاشك أن في ذلك تذكير بتلك الجراح التي لا يمكن أن تندمل، وبتلك النكبات التي ذهب ضحيتها كثير من الأبرياء.

     فاسأل التاريخ عن أول نكبة حصلت في تاريخ المسلمين: وهي مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، فمن كان وراءها؟ ومن أجج نيرانها؟؟

لاشك أن لمؤسسي هاتين الفرقتين النصيب الأوفر من إشعال الفتنة، وتفريق كلمة المسلمين، وارتكاب الجرائم والويلات، كل ذلك بشعارات براقة، وعبارات مزخرفة، ظاهرها فيه الرحمة وباطنه من قبلها العذاب.

فيا شديد الطول والإنعام                إليك نشكو محنة الإسلام

        وهكذا استمر مسلسل تلك النكبات، فاسأل عن خيانة الوزير علي بن يقطين في عهد هارون الرشيد، وما جناه من هدم سقف الحبس الذي مات على إثره قرابة الخمسمائة رجل.

        وسل حرم الله وما جناه عليه الروافض الباطنية والقرامطة، وكيف استحلوا حرمته، وسفكوا دماء الحجاج واستباحوا نساءهم، وسرقوا الحجر الأسود الذي مكث عندهم من قرابة 317هـ إلى 335هــ، ولا زال الحرم يتعرض لأنواع من الانتهاكات إلى وقتنا الحاضر من قِبل هؤلاء الرافضة الأنجاس الأرجاس وما حادثة 1407هــ عنا ببعيد.

وسل بيت المقدس كيف استلمه الفرنج في سنة 492هـ، وكانوا في نحو ألف ألف مقاتل؛ وقتلوا في وسطه أزيد من ستين ألف قتيل من المسلمين، وجاسوا خلال الديار؛ وعلوا ما علوا تتبيرًا، وكل ذلك بمعونة الروافض الباطنية، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

       وسل بغداد كيف احمرت أنهارها بدماء فلذات أكبادها؛ بسبب الروافض وتعاونهم مع أهل الكفر والإلحاد، فسقوط الخلافة العباسية بمعونة وزير التتر نصير الدين الطوسي، وخيانة وزير المستعصم بالله ابن العلقمي الرافضي، الذي فتح الباب لدى هولاكوا فكان ما سطره التاريخ من فواج يندى الجبين لذكرها..

         وسل البصرة عن المذابح التي أصابتهم سنة 293هــ، وما حصل من اعتراض قافلة الحجاج وقتل الرجال وسبي النساء في 294هـــ، وما زالت البصرة وما جاورها تتعرض لأنواع من الفساد وخصوصاً مذ دخول الأمريكان على ظهور الروافض إلى بلاد الرافدين.

       وسل مصر والمغرب عما جناه عبد الله بن ميمون القداح، داعية التشيع والرفض مؤسس دولة الفاطميين، هو ومن جاء بعده من حكام الدولة الفاطمية من الطغيان والفساد العريض –في الدين والدنيا- مما لا يكاد يوصف.

        ولا تزال تلك النكبات والأزمات المتتابعة والمتلاحقة على الإسلام والمسلمين تتعاقب إلى وقتنا الحاضر، وواقع العراق واليمن لا يخفى على أحد.

      والمقصود أن كل تلك الويلات والنكبات والأزمات، وفق الويلات التي تمر علينا اليوم إلا أن ويلاتنا شعارها: (النصر للإسلام والموت لأمريكا)، ودثارها: التطلع لعتبات الحكم؛ لاضطهاد الناس واستحلال دمائهم وأموالهم وأعراضهم وفق قاعدة: ذبح على الطريقة الإسلامية.  

             وختاماً أنبه إلى أنه لن يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وعليه فيجب اجتناب جميع الدعوات المضلله، والحذر من الأفكار الضالة، التي تهلك الحرث والنسل، وتنشر الفساد في البلاد والعباد، تحت شعارات زائفة، ودعايات مضللة الغرض منها تهييج العوام، وجلب الفتن والأزمات إليهم.

كتبه/

د. صلاح محمد الخلاقي