الإلحاد وخطره على العباد - للشيخ محمد كليب

الإلحاد وخطره على العباد

 

الإلحاد ظاهرة فكرية خطيرة تـميل بصاحبها نحو إنكار حقائق تُثبتها الفِطر السليمة والعقول المستقيمة والتجارب والأبحاث والنظريات العلمية، وهي ضرب من الإرهاب الفكري الذي يغزو مجتمعات المسلمين اليوم، ويهاجم الشباب منهم بخاصة في سن المراهقة فما بعدها، لا سيما مع انفتاح المجال العالمي من خلال وسائل الاتصال الحديثة.


ولضعف العلم الشرعي لدى شباب المسلمين أصبح من السهل اصطيادهم في مثل هذه الشبكات الفكرية التي يروج لها دعاة مغرضون حاقدون يريدون إطفاء نور الحق الذي عليه أهل الإسلام كما قال تعالى:

«ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء»،

ويعتقد هؤلاء الملحدون أنهم وُجِدوا على هذه الأرض عبثاً فلا خالق ولا معبود ولا غاية ولا حكمة للوجود، بل شأنهم أن تعيش متلذذًا بالشهوات مترددًا بين الشكوك والأوهام والتناقضات التي طالما كانت ملازمة لأهل الإلحاد منذ القدم على اختلاف مللهم ومناهجهم المضطربة، وقد أظهرها الكثير من زعمائهم المعاصرين والسابقين عند موتهم: كيف خانهم العقل وسوء استعماله، وكيف أضلهم الشيطان والهوى، وكيف مال بهم السُّكر وحبُّ الشهوة عن معرفة الخالق وحقه، وكيف قادهم الكبر والغرور نحو جهنم وعذابها.

 

تقرر عند البشر قاطبة أن لهذا الكون خالقاً، فلا مخلوق إلا وله واجد، وهناك أول ليس قبله شيء، فهو خالق لا يمكن أن يكون مخلوقاً، وهو الله المعبود سبحانه الذي يعترف بوجوده المجانين فضلاً عن العقلاء، وتدل عليه الجمادات فضلاً عن الأحياء، إذ لابد لهذا الكون بـما فيه من خالق، ولابد لهذا الخلْق الـمُحكم من مُتصرّف قادر حكيم، ولا بد من حكمة لهذا الوجود المنظَّم، كما أنك لن تتردد في إثبات أن هناك صانعاً للسيارة بمواصفاتها المعروفة، وهناك حكمة لصناعتها، فأنى لك أن تشكك أو تنكر وجود صانع متصرف بهذا الكون الباهر الذي بُني في غاية الإحكام والاتقان وجعل حِكمة لذلك!


إن الملحد هو عبارة عن كائن يعاني من صراعات مع نفسه نتيجة فقد السيطرة على عقله، مما أُلجأ إلى تسليمه للهوى فأصبح يهوي به حيث شاء، وزاده جنون الكبر والعظمة مبالغة وإصراراً على ذلك، ظناً منه أن سيسعد بذلك، وأنه استطاع أن يتحرر من قيود الدين التي توهمها وأقنعه شيطانه أنها تضيق عليه حياته!


ثـمة حقيقة يعرفها الملحد يقيناً -ولكن داء العظمة جعله يتجاهلها- وهي أنه ليس كما يزعم، بل هو عبد مسجون غير متحرر، مقيد بأغلال نفسه، تائه مضطرب لا يستريح باله، هرب من الحرية الحقيقة التي ملخصها (أن تكون عبداً متذللاً لمن خلقك بهيئتك التي أنت عليها)، وابتُلي بعبادة ورِقّ نفسه وما تـُمليه عقول البشر من مخلفات أمراض ووساوس وصراعات نفسية معقدة ربـما مضى عليها آلآف مؤلفة من السنين، أو تكونت عنده نتيجة بعده عن الدين الحق -دين الإسلام- وتوغله في الديانات الخرافية والوثنية، فهو في الحقيقة عبد فاقد لأيسر معاني الحرية:

هربوا من الرّقّ الذي خُلقوا له .. وبُلوا برقّ النفسِ والشيطانِ.
ليتَ المُلحد عرف دين الإسلام حق المعرفة وفهم تعاليمه السمحة وذاق ما فيه من السعادة والحرية والعدل والعلم والرحمة وقيادة النفوس نحو المسلك الصحيح، فما تبع الإسلام أحد وعرف حقيقته إلا علم أن سر ومفتاح السعادة فيه.


يا شباب المسلمين كونوا على وعيٍ تامٍ مما يُحاك لكم، واعرفوا على أقل الأحوال أساسيات وأصول دينكم، وعودوا إلى علمائكم حال مواجهتكم لأي صعاب أو شُبه قد تعْلقُ في أذهانكم، وتجنبوا مجالس الإلحاد وقنواته ووسائله بأنواعها، فإن مجالس الشر تُعدِي، وعاقبتها الحيرة والحسرة، واستعينوا بالله تعالى، واعلموا أن الحياة ابتلاء واختبار فيها الخير والشر والفقر والغنى والقوة والضعف والظلم والعدل؛ ليستقيم بذلك الاختبار وتستمر عجلة الحياة إلى أن يأتي أمره تعالى فيُمحّص أهل الطريقين.


ولنحمد الله على نعمة الإسلام وما نحن فيه من الحرية والنعيم، في حين أن أقواماً سَخَّروا قلوبهم وأجسادهم لعبادة الشياطين والأحجار والأشجار والأبقار والقبور والهوى فضلوا عن سواء السبيل، وذلوا وأهانوا أنفسهم لمخلوقات هي أقل منزلة منهم، فالحمد لله على نعمة الإسلام ونعمة الأمن والإيمان.

محمد مطهر كليب

تحميل الملف المرفق: