رسالة إلى داعية (٢) - دروس من ابتلاءات المصلحين

رسالة إلى داعية (٢)
 دروس من ابتلاءات المصلحين

 

▪إن طريق الداعية إلى الله مليء بالعقبات والمكدرات، فما أحوج الداعية إلى أن يتدبر فيما ابتلي به؛ فيصبر عليه ويصابر، وينتقل به إلى مرحلة الشكر والرضا، فيكون الابتلاء في حقه نعمة، والذلة في حقة عزة، وتسلط السفهاء والأغمار رفعة، ونبز الخصوم شهادة.

▪فإليك أخي الداعية جملة من الدروس والعبر، أسلي بها نفوس الدعاة، نفعني الله وإياك بها، فأقول:

 إن ما يعترض للدعاة إلى الله من الابتلاءات وتسلط السفهاء عليه أمرٌ يؤكد حكمة الله البالغة فيما قضى وقدر، فهو خالق العباد وأفعالهم،{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام : ١٣٧]، فأيقن أن «العباد آلة، فانظر إلى الذي سلطهم عليك، ولا تنظر إلى فعلهم بك، تسترح من الهم والغم» كما قال ابن تيمية رحمه الله.

إن من أعظم الدروس والعبر التي ينبغي أن يستفيد منها الداعية تجاه ما يلقاه من ابتلاءات هو أن يصبِّر نفسه على ما يجد، اقتداءً بالنبي الكريم ﷺ الذي كان إذا أُوذي قال: (يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسى لقَدْ أُوذِيَ بأَكْثَرَ مِن هذا فَصَبَرَ).أخرجه البخاري (٦٣٣٦) واللفظ له، ومسلم (١٠٦٢)

ومن الأمور التي تُصبِّر الداعية على كيد ومكر خصومه أن يستشعر تقصيره؛ فما وقع بلاء إلا بذنب، فليجدد له التوبة، وليُعظم الرغبة فيما أعده الله للصابرين: من تكفير سيئة، ورفعة درجة، ولا يُشغل نفسه بطلب الانتقام فالله يدافع عن الذين آمنوا، (ومن كان في الله تَلفُه كان على الله خلفُه).

ومن الدروس والعبر أن يُري اللهَ من نفسه الإخلاص والصدق، فعلى قدر صدقه سيستمر في البذل والتضحية لـمطلوبه، ولا يفتر عن تحقيق مقصوده، كما أن معظم الابتلاءات تمحص لك الصادق من الكاذب، وتكشف الثابت من المتلون، قال تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت : ٣]، فيتميز لك إخوانك الصادقين مـمن كانت أخوتهم دعوى، وصدق الناظم حيث يقول:


جزى الله الشدائد كل خير **  عرفت بها عدوي من صديقي

ومن الدروس والعبر أن يدرك الداعية حقيقة ما يصبو إليه المخالفين لدعوته، وقد نبه الله نبيه ﷺ وهو قدوة الدعاة على مقاصد المناوئين له فقال: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال : ٣٠]، وهكذا كل وارث لعلم النبوة لا تكاد تخرج مقاصد المناوئين له عن ثلاث:
(ليثبتوك): أي يقعدوك عن مهمتك بحبسك، أو بذوبانك في مستنقعهم،
(أو يقتلوك): متلهفين بزوالك من الدنيا،
(أو يخرجوك) بإبعادك عن الساحة الدعوية، فإياك أن تحقق لهم ما يريدون، فتتوانى عن المضي قُدما في مضمار الدعوة، أو تميع معهم وتجنح للغموض والتلون، فحامل الدعوة يجب أن يكون كالدعوة التي يحملها في الوضوح والاستقامة، فإن عرَّض دعوته للغموض والتلون خاب وخسر على قدر تلونه.

أن هذه الابتلاءات تكشف صدق ما أنت عليه، حيث لم تجار الأهواء وأهلها، ولم توافق الباطل وزمرته، ولم تكن سيقة للمآرب الدنية والأغراض السيئة.

فكن صابراً على ما تلقاه في سبيل الدعوة إلى الله، مثابراً على العطاء دون انقطاعٍ ولا ملل، حريصاً على ترسيخ هذه المعاني في النفوس، مستحضراً ما تعرض له المصلحون قبلك، بعيداً عن مجاراة السفهاء، أو مجادلة أهل الأهواء، مدركاً للأساليب التي تحمل صنوفاً من
النبز
والتنفير
والبغي
والكذب
والفجور،

فالله ينتقم لأوليائه، وهو متم نوره ولو كره المبطلون.

أسأل الله جل جلاله وتقدست اسماؤه أن يجمعنا وإياك على طاعته، وأن يجعلنا من المتواصين بالحق المتواصين بالصبر، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
                    

 

كتبه
د. صلاح بن محمد موسى الخلاقي
٦/رمضان/١٤٣٩هــ ٢٢ / ٥ /  ٢٠١٨م